هذا نهي من اللّه تعالي للمكلفين ان يكونوا «كَالَّتِي نَقَضَت غَزلَها مِن بَعدِ قُوَّةٍ أَنكاثاً» فواحد الانكاث نكث، و کل شيء نقض بعد الفتل فهو أنكاث: حبلًا کان او غزلًا، يقال منه: نكث فلان الحبل ينكثه نكثاً، و الحبل منتكث إذا انتقضت قواه. و (الدخل) ما أدخل في الشيء علي فساد، و المعني تدخلون الايمان علي فساد للغرور، و في نيتكم الغدر بمن حلفتم له، لأنكم أكثر عدداً منهم أو، لان غيركم اكثر عدداً منكم و قيل الدخل الدغل و الخديعة، و إنما قيل الدخل، لأنه داخل القلب علي ترك الوفاء و الظاهر علي الوفاء. و قيل (دخلًا) غلّا و غشّاً، و يقال: انا اعلم دخل فلان و دخله و دخلته و دخيلته، و المعني لا تنقضوا الايمان لكثرتكم، و قلة من حلفتم له او لقلتكم و كثرتهم، فإذا وجدتم اكثر منهم نقضتم بل احفظوا عهدكم. و «دخلًا» منصوب بأنه مفعول له.
و قوله «أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَربي مِن أُمَّةٍ» اي اكثر عدداً لطلب العز بهم مع الغدر بالأقل، و هو (أفعل) من الربا، قال الشاعر:
و اسمر خطيّ كأن كعوبه نوي العسيب قد اربا ذراعاً علي عشر[1]
و منه أربا فلان للزيادة الّتي يزيدها علي غريمه في رأس ماله (و اربي) في موضع رفع. و أجاز الفراء ان تكون في موضع نصب، و تكون هي عماداً.
و قال الزجاج: لا يجوز ذلک، لان العماد لا يکون بين نكرتين، لأن «امَّة» نكرة، و يفارق قوله «تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ هُوَ خَيراً»[2] لأن الهاء في تجدوه معرفة.
و قوله «إِنَّما يَبلُوكُمُ اللّهُ بِهِ» معناه إنما يختبركم اللّه بالأمر بالوفاء، فالهاء في (به) عائدة علي الأمر، و تحقيقه يعاملكم معاملة المختبر ليقع الجزاء بالعمل «وَ لَيُبَيِّنَنَّ لَكُم» أي و يفصل لكم و يظهر لكم «ما كُنتُم فِيهِ تَختَلِفُونَ» في صحته يوم القيامة.
و الّتي نقضت غزلها من بعد إبرام قيل: إنها ريطة بنت عمرو بن كعب إبن سعيد بن تميم بن مرة، و كانت حمقاء، فضربه اللّه مثلًا، فقال