و من قرأ بالياء حمله، علي انه يتبوء يوسف حيث يشاء هو نفسه.
اخبر اللّه تعالي أنه کما لطف ليوسف حين أخرجه من السجن و خلصه من المهالك كذلك مكنه من التصرف، و المقام في الإرض حيث يشاء كيف يشاء، و قال الجبائي: کان هذا التمكن ليوسف ثواباً من اللّه علي طاعته و إحسانه ألذي تقدم منه في الدنيا. و قال غيره: ليس في ذلک دلالة علي انه ثواب، و يجوز أن يکون تفضلًا عليه بذلك من غير ان ينقص من ثوابه شيء، و التمكين الاقدار بما يتسهل به الفعل من رفع الموانع و إيجاد الآلات و الالطاف و غير ذلک مما يحتاج اليه في الفعل. و التبوء هو اتخاذ منزل يرجع اليه و أصله الرجوع من «باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ» قال الشاعر:
فان تكن القتلي بواء فإنكم فتي ما قتلتم آل عوف بن عامر[1]
اي يرجع بدم بعضها علي بعض، فان هذا المقتول لا كفاء لدمه. و قوله «نُصِيبُ بِرَحمَتِنا مَن نَشاءُ» اخبار منه تعالي انه يفعل رحمته بمن يشاء من عباده علي وجه التفضل عليهم و الإحسان اليهم، و انه لا يضيع اجر الّذين يحسنون أفعالهم و يفعلون ما أمرهم اللّه به علي وجهه، بل يثيبهم علي ذلک.
و الإحسان علي ثلاثة أوجه:
أحدها- ان يحسن الي غيره، فذلك انعام.
و ثانيها- ان يحسن الي نفسه بأن ينفعها نفعاً حسناً.
و ثالثها- ان يفعل حسناً مبهماً لا يضيفه الي نفسه و لا الي غيره.
و اللام في قوله «مَكَّنّا لِيُوسُفَ» يحتمل ان يکون مثل قوله «رَدِفَ لَكُم»[2] و «لِلرُّءيا تَعبُرُونَ»[3] بدلالة قوله «مَكَّنّاهُم فِيما إِن مَكَّنّاكُم فِيهِ»[4] و قوله «مَكَّنّاهُم فِي الأَرضِ ما لَم نُمَكِّن لَكُم»[5] «و يتبوء» في موضع نصب علي الحال.