و انها حين رأت ما فعلت النسوة للدهش بيوسف، قالت لهن هذا هو ذلک ألذي لمتنَّني فيه، و اللوم الوصف بالقبيح علي وجه التحقير، و مثله الذم و ضده الحمد.
و قوله «وَ لَقَد راوَدتُهُ عَن نَفسِهِ» اعتراف منها انها هي الّتي طلبته عن نفسه و انه استعصم منها أي امتنع من ذلک، و الاستعصام طلب العصمة من اللّه بفعل لطف من ألطافه ليمتنع من الفاحشة. و فيه دلالة علي ان يوسف لم يقع منه قبيح.
و قوله «وَ لَئِن لَم يَفعَل ما آمُرُهُ لَيُسجَنَنَّ» اخبار عما قالت امرأة العزيز علي وجه التهديد ليوسف من انه ان لم يفعل ما تأمره به من المعصية و يجيبها الي ملتمسها لتمنعنّه التصرف من مراده بالحبس، تقول: سجنه يسجنه سجناً، و السجان المتولي للسجن علي وجه الحرفة.
و قوله «وَ لَيَكُوناً مِنَ الصّاغِرِينَ» هذه النون الخفيفة الّتي يتلقي بها القسم، و إذا وقفت عليها وقفت بالألف، تقول: و ليكونا، و هي بمنزلة التنوين ألذي يوقف عليه بالألف قال الشاعر:
و صلّ علي حين العشيات و الضحي و لا تعبد الشيطان و اللّه فاعبدا[1]
اي فاعبدن، فأبدل في الوقف من النون ألفاً. و الصغار الذل بصغر القدر صغر يصغر صغاراً، و منه قوله «حَتّي يُعطُوا الجِزيَةَ عَن يَدٍ وَ هُم صاغِرُونَ»[2].
قالَ رَبِّ السِّجنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدعُونَنِي إِلَيهِ وَ إِلاّ تَصرِف عَنِّي كَيدَهُنَّ أَصبُ إِلَيهِنَّ وَ أَكُن مِنَ الجاهِلِينَ (33)