ما نبهه عليه هارون من خوف التهمة، و دخول الشبهة عليهم بجره رأسه اليه- بأن يغفر له و لأخيه، و أن يدخلهما رحمته، و المقتضي لهذا الدعاء بالمغفرة قيل فيه قولان:
أحدهما- ما أظهره من الموجدة علي هارون و هو بريء مما يوجب العتب عليه، لأنه لم يكن منه تقصير في الإنكار علي من عبد العجل، لأنه بلغ معهم من الإنكار الي أن همُّوا بقتله لشدة إنكاره، و لذلك قال «إِنَّ القَومَ استَضعَفُونِي وَ كادُوا يَقتُلُونَنِي».
و الثاني- قال أبو علي: إنه بين بذلك لبني إسرائيل أنه لم يأخذ برأسه علي جهة الغضب عليه، و إنما فعل ذلک کما يفعله الإنسان بنفسه عند شدة غضبه علي غيره، و لم يكن منه في تلك الحال معصية.
و کان هذا الدعاء من موسي انقطاعاً منه الي اللّه تعالي، و تقرباً اليه لا أنه کان وقع منه أو من أخيه قبيح صغير أو كبير يحتاج أن يستغفر منه، و من قال: إنه استغفر من صغيرة كانت منه أو من أخيه، فقد أخطأ. و يقال له:
الصغيرة علي مذهبكم تقع مكفرة محبطة، فلا معني لسؤال المغفرة لها. و قد بينا في غير موضع أن الأنبياء (ع) لا يجوز عليهم شيء من القبائح لا كبيرها و لا صغيرها لأن ذلک يؤدي الي التنفير عن قبول قولهم، و الأنبياء منزهون عما ينفر عنهم علي کل حال.
و قوله «وَ أَنتَ أَرحَمُ الرّاحِمِينَ» اعتراف من موسي بأن اللّه تعالي أرحم الراحمين و اعترافه بذلك دليل علي قوة طمعه في نجاح طلبته، لأن من هو أرحم الراحمين يؤمل الرحمة من جهته و من هو أجود الأجودين يؤمل الجود من قبله.
إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا العِجلَ سَيَنالُهُم غَضَبٌ مِن رَبِّهِم وَ ذِلَّةٌ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَ كَذلِكَ نَجزِي المُفتَرِينَ (152)
آية بلا خلاف.