و قوله «هُديً وَ رَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنُونَ» إنما جعل القرآن نعمة علي المؤمن دون غيره مع أنه نعمة علي جميع المكلفين من حيث أنهم عرضوا به للهداية، غير أن المؤمن لما اهتدي به كانت النعمة بذلك عليه أعظم فأضيف اليه، و غير المؤمن لم يتعرض للهداية فلم يهتد، فالمؤمنون علي صفة زائدة.
و قوله «هُديً وَ رَحمَةً» يحتمل ثلاثة أوجه من الاعراب: النصب من وجهين: الحال، و المفعول له، و به القراءة. و الرفع علي الاستئناف، و الجر علي البدل. و إنما لم يوصف القرآن بأنه هدي للكفار لئلا يتوهم أنهم اهتدوا به و إن کان هداية لهم بمعني أنه دلالة لهم و حجة.
هَل يَنظُرُونَ إِلاّ تَأوِيلَهُ يَومَ يَأتِي تَأوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبلُ قَد جاءَت رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ فَهَل لَنا مِن شُفَعاءَ فَيَشفَعُوا لَنا أَو نُرَدُّ فَنَعمَلَ غَيرَ الَّذِي كُنّا نَعمَلُ قَد خَسِرُوا أَنفُسَهُم وَ ضَلَّ عَنهُم ما كانُوا يَفتَرُونَ (53)
آية بلا خلاف.
قوله «هَل يَنظُرُونَ» معناه هل ينتظرون، لأن النظر قد يکون بمعني الانتظار، قال أبو علي: معناه هل ينتظر بهم أو هل ينتظر المؤمنون بهم إلا ذلک. و إنما أضافه اليهم مجازاً، لأنهم كانوا جاحدين لذلك غير متوقعين، و إنما کان ينتظر بهم المؤمنون، لايمانهم بذلك و اعترافهم به. و الانتظار هو الإقبال علي ما يأتي بالتوقيع له. و أصله الإقبال علي الشيء بوجه من الوجوه.
و إنما قيل لهم: ينتظرون و إن كانوا جاحدين، لأنهم في منزلة المنتظر أي كأنهم ينتظرون ذلک، لأنه يأتيهم لا محالة إتيان المنتظر.
و التأويل معناه ما يؤل اليه حال الشيء تقول: أوَّله تأويلا، و تأوله تأولًا، و آل اليه أمره يؤل أولا، و قيل «تأويله» عاقبته من الجزاء به- في