أن يکون الاستثناء من الّذين نفي اللّه عنهم الايمان فكأنه علم انه يؤمن منهم جماعة قليلة فيما بعد، فاستثناهم من جملة من اخبر عنهم أنهم لا يؤمنون. و بهذه الجملة قال جماعة المفسرين: قتادة و غيره. و اختلفوا في قوله: «فَبِما نَقضِهِم» هل هو متصل بما قبله من الكلام او منفصل منه، فقال قتادة هو منفصل و قال لما ترك القوم أمر اللّه، و قتلوا رسله و كذبوا بآياته و نقضوا ميثاقه طبع اللّه علي قلوبهم بكفرهم، و لعنهم و قال قوم: بل هو متصل بما قبله. قالوا: معناه فاخذتهم الصاعقة بظلمهم بنقضهم ميثاقهم، و بكفرهم بآيات اللّه، و بقتلهم الأنبياء بغير حق، و بكذا و كذا أخذتهم الصاعقة، فتبع الكلام بعضه بعضا. و معناه مردود علي أوله، و جوابه قول «فبظلم» من الّذين قالوا الزجاج هو بدل من قوله: «فَبِما نَقضِهِم» و اختار الطبري الاول، و أنه منفصل من معني ما قبله و المعني: فيما نقضهم ميثاقهم، و كفرهم بآيات اللّه و بكذا و كذا لعناهم، و غضبنا عليهم، فترك ذكر لعناهم لدلالة قوله: «بَل طَبَعَ اللّهُ عَلَيها بِكُفرِهِم» علي معني ذلک من حيث کان من طبع علي قلبه، فقد لعن و سخط عليه قال: و انما قلنا ذلک، لأن الّذين اخذتهم الصاعقة كانوا علي عهد موسي، الّذين قتلوا الأنبياء، و الّذين رموا مريم بالبهتان العظيم، و قالوا قتلنا عيسي، كانوا بعد موسي بدهر طويل، و معلوم أن الّذين اخذتهم الصاعقة لم تأخذهم عقوبة علي رميهم مريم بالبهتان، و لا لقولهم: أنا قتلنا المسيح فبان بذلك أن الّذين قالوا هذه المقالة غير الّذين عوقبوا بالصاعقة.
و قوله: «وَ بِكُفرِهِم وَ قَولِهِم عَلي مَريَمَ بُهتاناً عَظِيماً» معناه و بكفر هؤلاء الّذين وصفهم، و قولهم علي مريم بهتاناً يعني رميهم لها بالزنا، و هو البهتان و بقريتهم عليها، لأنهم رموها و هي بريئة بغير بينة و لا برهان به بل هتوها بباطل القول.
و هو قول إبن عباس و السدي و الضحاك.