الّذين هم مؤمنون علي الحقيقة ظاهراً أو باطناً أمرهم اللّه تعالي أن يؤمنوا به في المستقبل بان يستديموا الايمان، و لا ينتقلوا عنه، لان الايمان ألذي هو التصديق لا يبقي و انما يستمر بان يجدده الإنسان حالا بعد حال و هذا أيضاً وجه جيد.
الثالث- ما اختاره الطبري من ان ذلک خطاب لأهل الكتاب اليهود و النصاري أمرهم اللّه (تعالي) بان يؤمنوا بالنبي (ص)، و الكتاب ألذي أنزل عليه کما آمنوا بما معهم من الكتب: التوراة و الإنجيل و يکون قوله: «وَ الكِتابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبلُ» اشارة الي ما معهم من الإنجيل و التوراة و يکون وجه أمرهم بالتصديق لهما و ان كانوا مصدقين بهما، لاحد أمرين:
أحدهما- ان التوراة و الإنجيل إذا کان فيهما صفات النبي (ص)، و ما ينبئ عن صدق قوله و صحة نبوته فمن لم يصدق النبي (ص)، و لم يصدق الكتاب ألذي أنزل معه، لا يکون مصدقاً بما معه، لان في تكذيبه، تكذيب ما معه من التوراة و الإنجيل، فيجب عليه أن يصدق النبي (ص) و يقر بما انزل عليه، ليكون مصدقاً بما معه، و معترفاً به. و الثاني- أن يکون متوجهاً إلي اليهود الّذين آمنوا بالتوراة دون الإنجيل و القرآن، فيكون اللّه أمرهم بالإقرار بمحمد (صلي اللّه عليه و آله) و بما انزل من قبل يعني الإنجيل. و ذلک لا يصح الا بالإقرار بعيسي (عليه السلام) أيضاً و انه نبي من قبل اللّه و قوله: «وَ مَن يَكفُر بِاللّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ اليَومِ الآخِرِ» معناه ان من كفر بمحمد (ص) فيجحد نبوته و يجحد ما أنزله اللّه عليه، فكأنه جحد جميع ذلک، لأنه لا يصح ايمان احد من الخلق الا بالايمان بما أمره اللّه بالايمان به، و الكفر بشيء منه كفر بجميعه فكذلك قال: «وَ مَن يَكفُر بِاللّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ اليَومِ الآخِرِ» فعقب خطابه لأهل الكتاب و أمره إياهم بالايمان بمحمد (ص) تهديداً لهم، و ان كانوا مقرين بوحدانية اللّه تعالي و الملائكة و الكتب و الرسل، و اليوم الآخر سوي محمّد (صلي اللّه عليه و آله) و ما جاء به من القرآن فبين لهم ان من جحد محمداً بنبوته لا ينفعه الايمان بشيء سواه، و يکون وجوده و عدمه سواء و قوله: «فَقَد ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً» معناه فقد ذهب عن قصد السبيل و جاز