responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير التبيان المؤلف : الشيخ الطوسي    الجزء : 3  صفحة : 111

و الجمع‌، ‌کما‌ ‌قال‌ الشاعر:

بها جيف‌ الحسري‌ فأما عظامها        فبيض‌ و أما جلدها فصليب‌[1]

و ‌لم‌ يقل‌: فجلودها، و ‌لو‌ ‌قال‌: (فَإِن‌ طِبن‌َ لَكُم‌ عَن‌ شَي‌ءٍ مِنه‌ُ) أنفساً لمجاز، و كذلك‌ ضقت‌ ‌به‌ أذرعا و ذراعا. فأما ‌قوله‌: (بِالأَخسَرِين‌َ أَعمالًا)[2] إنما جمع‌ لئلا يوهم‌ ‌أنه‌ عمل‌ يضاف‌ ‌الي‌ الجميع‌، ‌کما‌ يضاف‌ القتل‌ ‌إلي‌ جماعة ‌إذا‌ رضوا ‌به‌، و مالئوا ‌عليه‌. و مثل‌ ‌الآية‌: أنت‌ حسن‌ وجهاً، فالفعل‌ للوجه‌، فلما نقل‌ ‌الي‌ صاحب‌ الوجه‌، نصب‌ الوجه‌ ‌علي‌ التمييز. و ‌قوله‌: (فَكُلُوه‌ُ هَنِيئاً مَرِيئاً) فهنيئاً مأخوذ ‌من‌ هنأت‌ البعير بالقطران‌، و ‌ذلک‌ ‌إذا‌ جرب‌ فعولج‌ ‌به‌، ‌کما‌ ‌قال‌ الشاعر:

متبذلا تبدو محاسنه‌        يضع‌ الهناء مواضع‌ النقب‌[3]

.

فالهني‌ شفاء ‌من‌ المرض‌، ‌کما‌ ‌أن‌ الهناء شفاء ‌من‌ الجرب‌. و معني‌ (فَكُلُوه‌ُ هَنِيئاً مَرِيئاً) ‌ أي ‌ دواء شافياً، يقال‌ ‌منه‌: هنأني‌ الطعام‌ و مرأتي‌: ‌إذا‌ صار لي‌ دواء و علاجاً شافياً، و هنيني‌ و مريني‌ بالكسر، و ‌هي‌ قليلة، و ‌من‌ ‌قال‌: هناني‌ يقول‌ ‌في‌ المستقبل‌: يهناني‌، و ميراني‌، و ‌من‌ يقول‌: هنأني‌، يقول‌ يهنئني‌، و يمرئني‌، فإذا أفردوا قالوا:

‌قد‌ أمراني‌ ‌هذا‌ الطعام‌، و ‌لا‌ يقولون‌: أهناني‌، و المصدر ‌منه‌ هناً، مراً، و ‌قد‌ مرؤ ‌هذا‌ الطعام‌ مراً، و يقال‌: هنأت‌ القوم‌ ‌إذا‌ علتهم‌، و هنأت‌ فلاناً المال‌ ‌إذا‌ وهبته‌ ‌له‌، أهنؤه‌ هناً، و ‌منه‌ قولهم‌: انما سميت‌ هانياً لتهنا، ‌ أي ‌: لتعطي‌، و معني‌ ‌قوله‌: (فَإِن‌ طِبن‌َ لَكُم‌ عَن‌ شَي‌ءٍ مِنه‌ُ) يعني‌ ‌من‌ المهر، و «‌من‌» هاهنا ليست‌ للتبعيض‌ و انما معناه‌ لتبيين‌ الجنس‌، ‌کما‌ ‌قال‌ (فَاجتَنِبُوا الرِّجس‌َ مِن‌َ الأَوثان‌ِ)[4]


[1] قائلة علقمة ‌بن‌ عبدة (علقمة الفحل‌) ديوانه‌: 27، و شرح‌ المفضليات‌: 777، و سيبويه‌ 1: 107 ‌من‌ قصيدة ‌في‌ الحارث‌ ‌بن‌ جبلة ‌بن‌ أبي شمر الغساني‌ حين‌ أسر أخاه‌ شأسا، فرحل‌ اليه‌ علقمة يطلب‌ فكه‌. و ‌قوله‌: (بها جيف‌ الحسري‌) الضمير راجع‌ ‌الي‌ المطلوب‌ ‌في‌ البيت‌ السابق‌، و ‌هي‌ آثار الطريق‌، و الصليب‌ الودك‌ ‌ألذي‌ يسيل‌ ‌من‌ خلودها ‌بعد‌ موتها.
[2] ‌سورة‌ الكهف‌: آية 104.
[3] قائله‌ دريد ‌بن‌ الصمة. اللسان‌ (نقب‌) و الأغاني‌ 10: 22، و الشعر و الشعراء 302. و النقب‌-‌ بضم‌ النون‌ و سكون‌ القاف‌ و فتحها‌-‌ جمع‌ نقبه‌، أول‌ الجرب‌ حين‌ يبدو.
[4] ‌سورة‌ الحج‌: آية 30.
اسم الکتاب : تفسير التبيان المؤلف : الشيخ الطوسي    الجزء : 3  صفحة : 111
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست