و کل انقطاع فيه فإنما هو لازالة الإيهام ألذي فيه يلحق الكلام فقوله: «لا يَسمَعُونَ فِيها لَغواً» قد يتوهم أنه من حيث لا يسمعون فيها كلاماً، فقيل لذلك (إلا قيلا سلاما) و كذلك «وَ ما كانَ لِمُؤمِنٍ أَن يَقتُلَ مُؤمِناً» قد يتوهم أنه لا يقتل مؤمن مؤمناً علي وجه، فقيل لذلك (إلا خطأ). و كذلك «ضُرِبَت عَلَيهِمُ الذِّلَّةُ» قد يتوهم أنه من غير جواز موادعة، فقيل إلا بحبل من اللّه.
الثاني- أن الاستثناء متصل، لأن عز المسلمين عز لهم بالذمة، و هذا لا يخرجه من الذلة في أنفسهم. و قوله: «وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ» أي رجعوا بغضب اللّه ألذي هو عقابه و لعنه. و قوله: «وَ ضُرِبَت عَلَيهِمُ المَسكَنَةُ» قيل أريد بالمسكنة الذلة لأن المسكين لا يکون إلا ذليلا فسمي الذليل مسكيناً. و قيل، لأن اليهود أبداً يتفاقرون و ان كانوا أغنياء لما رماهم اللّه به من الذلة. و قد بينا فيما تقدم أن قوله:
«وَ يَقتُلُونَ الأَنبِياءَ بِغَيرِ حَقٍّ»[1] لا يدل علي أن قتلهم يکون بحق و إنما المراد أن قتلهم لا يکون إلا بغير حق، کما قال «وَ مَن يَدعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرهانَ لَهُ بِهِ» و المراد ان ذلک لا يکون إلا بغير برهان و كقول امرئ القيس:
علي لا حب لا يهتدي بمناره[2]
و معناه لا منار هناك فيهتدي به و قوله: «يعتدون» قد بينا فيما تقدم معني الاعتداء و هو أن معناه تجاوز الحد مأخوذ من العدوان.
لَيسُوا سَواءً مِن أَهلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتلُونَ آياتِ اللّهِ آناءَ اللَّيلِ وَ هُم يَسجُدُونَ (113)
آية.