أول الشيء ابتداؤه، و يجوز أن يکون المبتدأ له آخر، و يجوز أن لا يکون له آخر، لأن الواحد أول العدد. و لا نهاية، لآخره، و نعيم أهل الجنة له أول، و لا آخر له، فعلي هذا إنما کان أول بيت، لأنه لم يكن قبله بيت يحج إليه.
و روي عن علي (ع) أنه قال: أول بيت وضع للعبادة البيت الحرام.
و قد كانت قبله بيوت كثيرة. و قيل أول بيت رغب فيه، و طلب به البركة مكة. و قال مجاهد: لم يوضع قبله بيت. و إنما دحيت الإرض من تحتها. و به قال قتادة.
و روي أصحابنا: أن أول شيء خلق اللّه من الإرض موضع الكعبة، ثم دحيت الإرض من تحتها. و بكة قيل معناه ثلاثة أقوال:
أحدها- قال إبن شهاب و ضمرة بن ربيعة:
بكة هو المسجد، و مكة الحرم كله تدخل فيه البيوت، و هو قول أبي جعفر (ع)
و قال أبو عبيدة، بكة هي بطن مكة، و قال مجاهد: هي مكة.
و أصل بكة من البك، و هو الزحم تقول بكه يبكه بكاً إذا زحمه و تباك النّاس بالموضع إذا ازدحموا، فبكة مزدحم النّاس للطواف. و هو ما حول الكعبة من داخل المسجد الحرام، و منه البك: دق العنق، لأنه فكه بشدة زحمة، فقيل:
سميت بكة، لأنها تبك أعناق الجبابرة إذا ألحدوا فيها بظلم لم يمهلوا. و أما مكة، فقال الزجاج يجوز أن يکون اشتقاقها كاشتقاق بكة. و أبدلت الميم من الباء، كقولهم: ضربة لازب و لازم، و يجوز أن يکون من قولهم: امتك الفصيل ما في ضرع الناقة إذا مص مصاً شديداً حتي لا يبقي منه شيئاً، فسميت مكة بذلك لازدحام النّاس فيه. قال و الأول أحسن، و يقال مك المشاش مكاً إذا تمشش بفيه.
و نصب قوله: «مباركا» يحتمل أمرين:
أحدهما- أن يکون حالا من الضمير ألذي فيه. الثاني- علي الظرف من بكة علي معني ألذي استقر ببكة مباركا. و علي هذا القول لا يکون قد وضع قبله بيت