الافتراء: اقتراف الكذب و أصله قطع ما يقدر من الأدم، يقال فري الأديم يفريه فرياً: إذا قطعه، فقيل للكذب الفرية، لأنه يقطع به علي التقدير من غير تحقيق.
فان قيل: كيف قال: «افتَري عَلَي اللّهِ الكَذِبَ» و علي للاستعلاء، فما معناها ها هنا! قلنا: معناها إضافته الكذب إليه من جهة أنه أمر بما لم يأمر به اللّه فأوجب ما لم يوجبه، و كذب عليه بخلاف كذب له، لأن كذب عليه يفيد أنه كذب فيما يكرهه، و كذب له قد يجوز فيما يريده. فان قيل كيف قيد وعيد المفتري علي اللّه الكذب ب «من بعد ذلک» و هو يستحق الوعيد بالكذب عليه علي کل حال! قلنا: المراد به البيان أنه يلزم من بعد إقامة الحجة علي العبد فيه، لأنه لو كذب علي اللّه (عز و جل) فيما ليس بمحجوج فيه لجري مجري كذب الصبي ألذي لا يستحق الوعيد به. و إنما وصف المفتري علي اللّه كذباً بأنه ظالم، من حيث کان ظالماً لنفسه، و لمن استدعي إلي مذهبه فيما يكذب به، لأن ذلک الكذب يستحق به العقاب.
و الظلم و الجور واحد و إن کان أصلهما مختلفاً، لأن أصل الظلم النقصان للحق.
و الجور العدول عن الحق، و لذلك قيل في ضد الظلم الانصاف. و في ضد الجور العدل. و الانصاف هو إعطاء الحق علي التمام.
قُل صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبراهِيمَ حَنِيفاً وَ ما كانَ مِنَ المُشرِكِينَ (95)