علي أن الثاني أحق بالأخبار عنه من الاول، كقولك: قام زيد بل عمرو، كأنه لم يعتد بقيام الأول.
و الشعور: هو ابتداء العلم بالشيء من جهة المشاعر، و هي الحواس، و لذلك لا يوصف تعالي بأنه شاعر، و لا أنه يشعر، و إنما يوصف بأنه عالم و يعلم. و قد قيل: إن الشعور إدراك ما دقّ للطف الحسن مأخوذ من الشعر لدقته، و منه شاعر، لأنه يفطن من إقامة الوزن و حسن النظم بالطبع لما لا يفطن له غيره.
فان قيل: هل كون عقولهم إذا كانوا أحياء، و كيف يجوز أن يصل اليهم ثوابهم مع نقصان عقولهم! قيل الثواب لم يصل اليهم علي كنهه و انما يصل اليهم طرف منه.
و مثلهم في ذلک مثل النائم علي حال جميلة في روضة طيبة يصل اليهم طيب ريحها و لذيذ نسيمها علي نحو ما جاء في الحديث من انه يفسح له مد بصره، و يقال له نم نومة العروس. و أما الّذين قتلوا في سبيل اللّه، فعلي ما ذكرناه من الاختصاص بالفضيلة.
فان قيل: كيف يجوز أن يكونوا أحياء- و نحن نري جثتهم علي خلاف ما كانت عليه في الدنيا.! قيل: إن النعيم انما يصل الي الروح و هي الحية، و هي الإنسان، دون الجثة- و الجثة كالجنة و اللباس لصيانة الأرواح. و من زعم ان الإنسان هذه الجملة المعروفة و جعل الجثة جزء منها فانه يقول: يلطف أجزاء من الإنسان توصل اليه النعيم، و إن لم يكن الإنسان بكماله علي نحو ما ذكرنا أن النعيم لا يصل اليه نفسه.
وَ لَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِنَ الخَوفِ وَ الجُوعِ وَ نَقصٍ مِنَ الأَموالِ وَ الأَنفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ (155)
الخطاب بهذه الآية متوجه الي اصحاب النبي (ص)- علي قول عطاء، و الربيع