responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير التبيان المؤلف : الشيخ الطوسي    الجزء : 2  صفحة : 317

(وَ جَعَلَكُم‌ مُلُوكاً وَ آتاكُم‌ ما لَم‌ يُؤت‌ِ أَحَداً مِن‌َ العالَمِين‌َ)[1].

و الثاني‌-‌ ملك‌ بتمليك‌ الأمر و النهي‌ و التدبير لأمور ‌النّاس‌، فهذا ‌لا‌ يجوز ‌أن‌ يجعله‌ اللّه‌ لأهل‌ الضلال‌ ‌لما‌ ‌فيه‌ ‌من‌ الاستفساد بنصب‌ ‌من‌ ‌هذا‌ سبيله‌ للناس‌، لأنه‌ ‌لا‌ يصح‌ ‌مع‌ علمه‌ بفساده‌ إرادة الاستصلاح‌ ‌به‌ ‌کما‌ يصح‌ منا فيمن‌ ‌لا‌ يعلم‌ باطن‌ حاله‌ ممن‌ يؤمن‌ علينا. و ‌من‌ ‌قال‌ الهاء كناية ‌عن‌ إبراهيم‌ (ع‌) ‌لم‌ يتوجه‌ ‌عليه‌ السؤال‌، لأنه‌ ‌تعالي‌ ‌لم‌ يؤت‌ الكافر الملك‌، و إنما آتي‌ نبياً مرسلا.

و ‌قوله‌ «إِذ قال‌َ إِبراهِيم‌ُ رَبِّي‌َ الَّذِي‌ يُحيِي‌ وَ يُمِيت‌ُ» معناه‌ يحيي‌ الميت‌ و يميت‌ الحي‌، ‌فقال‌ الكافر عند ‌ذلک‌: أنا أحيي‌ و أميت‌، ‌يعني‌ أحييه‌ بالتخلية ‌من‌ الحبس‌ ممن‌ وجب‌ ‌عليه‌ القتل‌ و أميت‌ بالقتل‌ ‌من‌ شئت‌ ممن‌ ‌هو‌ حي‌، و ‌هذا‌ جهل‌ ‌منه‌، لأنه‌ اعتمد ‌في‌ المعارضة ‌علي‌ العبارة فقط دون‌ المعني‌، عادلا ‌عن‌ وجه‌ الحجة بفعل‌ الحياة للميت‌ ‌أو‌ الموت‌ للحي‌ ‌علي‌ سبيل‌ الاختراع‌ ‌کما‌ يفعله‌ اللّه‌ (‌تعالي‌) ‌من‌ إحياء ‌من‌ قتل‌ ‌أو‌ مات‌ و دفن‌ و ‌ذلک‌ معجز ‌لا‌ يقدر ‌عليه‌ سواه‌، ‌فقال‌ إبراهيم‌ (فَإِن‌َّ اللّه‌َ يَأتِي‌ بِالشَّمس‌ِ مِن‌َ المَشرِق‌ِ فَأت‌ِ بِها مِن‌َ المَغرِب‌ِ) و ‌لم‌ يكن‌ ‌ذلک‌ انتقالا ‌من‌ إبراهيم‌ ‌من‌ دليل‌ ‌إلي‌ دليل‌ آخر ‌من‌ وجهين‌:

أحدهما‌-‌ ‌أن‌ ‌ذلک‌ يجوز ‌من‌ ‌کل‌ حكيم‌ ‌بعد‌ تمام‌ ‌ما ابتدأ ‌به‌ ‌من‌ الحجاج‌، و علامة تمامه‌ ظهوره‌ ‌من‌ ‌غير‌ اعتراض‌ ‌عليه‌ بشبهة لها تأثير عند التأمل‌، و التدبر لموقعها ‌من‌ الحجة المعتمد عليها.

الثاني‌-‌ ‌أن‌ إبراهيم‌ إنما ‌قال‌ ‌ذلک‌ ليتبين‌ ‌أن‌ ‌من‌ شأن‌ ‌من‌ يقدر ‌علي‌ إحياء الأموات‌ و إماتة الأحياء، ‌أن‌ يقدر ‌علي‌ الإتيان‌ بالشمس‌ ‌من‌ المشرق‌، فان‌ كنت‌ قادراً ‌علي‌ ‌ذلک‌ فأت‌ بها ‌من‌ المغرب‌ «فَبُهِت‌َ الَّذِي‌ كَفَرَ» و إنما فعل‌ ‌ذلک‌، لأنه‌ ‌لو‌ تشاغل‌ معه‌ بأني‌ أردت‌ اختراع‌ الحياة و الموت‌ ‌من‌ ‌غير‌ سبب‌ و ‌لا‌ علاج‌ لاشتبه‌ ‌علي‌ كثير ممن‌ حضر، فعدل‌ ‌إلي‌ ‌ما ‌هو‌ أوضح‌ و أكشف‌، لأن‌ الأنبياء (ع‌) إنما بعثوا للبيان‌ و الإيضاح‌، و ليس‌ أمورهم‌ مبنية ‌علي‌ بناء الخصمين‌ ‌إذا‌ تحاجا، و طلب‌


[1] ‌سورة‌ المائدة آية: 22.
اسم الکتاب : تفسير التبيان المؤلف : الشيخ الطوسي    الجزء : 2  صفحة : 317
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست