و في الآية دلالة علي فساد قول المجبرة: إنه ليس للّه علي الكافر نعمه، لأنه قال: «إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضلٍ عَلَي النّاسِ» فعم الجميع بالنعمة و لم يخص، «وَ لكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَشكُرُونَ» و يفسد به أيضاً قولهم: في الارادة و أن جميع ما أعطي اللّه الكفار إنما هو ليكفروا لا ليؤمنوا، و ما روي أن طالوت هم بقتل داود لما رأي أن وجوه النّاس أقبلت عليه بقتله جالوت رواية شاذة، فان صحت دلت علي أن طالوت لم يكن نبياً، و لا إماماً، لأن النبي أو الامام لا بد أن يکون معصوماً.
تِلكَ آياتُ اللّهِ نَتلُوها عَلَيكَ بِالحَقِّ وَ إِنَّكَ لَمِنَ المُرسَلِينَ (252)
الآيات المذكورة في هذه الآية المراد بها ما تقدم ذكره من إماتة ألوف من النّاس دفعة واحدة بخلاف ما جرت به العادة ثم أحياهم في مقدار ساعة، و من تمليك طالوت و قد کان من الخاملين الّذين لا تنقاد لهم النفوس بما جعله له من الآية علماً علي تمليكه، و من نصرة أصحاب طالوت مع قلة عددهم، و ضعفهم علي جالوت و جنوده مع قوتهم و كثرة عددهم و شدة بطشهم حتي قهروهم و استعلوا عليهم، و کل ذلک مما لا يقدر عليه غير اللّه تعالي فهو دلالة عليه.
و قوله: «وَ إِنَّكَ لَمِنَ المُرسَلِينَ» دليل علي نبوته علي وجوه: منها ما في الأحياء بما تقدم من الدلالة علي النبوة. و منها أنه يجب التصديق بتلك الأمور لنبوته (ع). و منها أنه أوحي إليه به، کما أوحي الي المرسلين، لأنه سنة اللّه عزّ و جل في مثله. و منها الاستدعاء الي القيام بما أرسل به بعد قيام الحجة عليه. و منها أنه کما نصب تلك الآيات جعلك من المرسلين لما في ذلک من الحكمة الّتي تدعو الي صلاح المكلفين. و إنما صارت الأخبار بذلك دلالة علي النبوة من جهة أنها أخبار عن عيون لم تشهدها و لا خالط أهل المعرفة بها، و متي قال قائل: إنه أخذها عن أهل العلم بالأخبار، فان قوله يبطل، لأنه لو کان كذلك لم يتكلم لخروجه عن العادة كخروج أن يصير انسان من أعلم النّاس بصناعة لم يشهدها و لا خالط