ذلك الامر المرتفع
من الاحكام التكليفية أم الوضعية ، وسواء أكان من المناصب الالهية أم من غيرها من
الامور التي ترجع إلى الله تعالى بما أنه شارع ، وهذا الاخير كما في نسخ القرآن من
حيث التلاوة فقط ، وإنما قيدنا الرفع بالامر الثابت في الشريعة ليخرج به ارتفاع
الحكم بسبب ارتفاع موضوعه خارجا ، كارتفاع وجوب الصوم بانتهاء شهر رمضان ، وارتفاع
وجوب الصلاة بخروج وقتها ، وارتفاع مالكية شخص لماله بسبب موته ، فإن هذا النوع من
ارتفاع الاحكام لا يسمى نسخا ، ولا إشكال في إمكانه ووقوعه ، ولا خلاف فيه من أحد.
ولتوضيح ذلك نقول : إن الحكم المجعول في
الشريعة المقدسة له نحوان من الثبوت :
أحدهما : ثبوت ذلك الحكم في عالم
التشريع والانشاء ، والحكم في هذه المرحلة يكون مجعولا على نحو القضية الحقيقية ، ولا
فرق في ثبوتها بين وجود الموضوع في الخارج وعدمه ، وإنما يكون قوام الحكم بفرض
وجود الموضوع. فإذا قال الشارع : شرب الخمر حرام ـ مثلا ـ فليس معناه أن هنا خمرا
في الخارج. وأن هذا الخمر محكوم بالحرمة ، بل معناه أن الخمر متى ما فرض وجوده في
الخارج فهو محكوم بالحرمة في الشريعة سواء أكان في الخارج خمر بالفعل أم لم يكن ، ورفع
هذا الحكم في هذه المرحلة لا يكون إلا بالنسخ.
وثانيهما : ثبوت ذلك الحكم في الخارج بمعنى
أن الحكم يعود فعليا بسبب فعلية موضوعه خارجا ، كما إذا تحقق وجود الخمر في الخارج
، فإن الحرمة المجعولة في الشريعة للخمر تكون ثابتة له بالفعل ، وهذه الحرمة تستمر
باستمرار موضوعها ، فإذا انقلب خلا فلا ريب في ارتفاع تلك الحرمة الفعلية التي
ثبتت له في حال خمريته ، ولكن ارتفاع هذا الحكم ليس من النسخ في شيء ، ولا كلام
لاحد في جواز ذلك ولا في وقوعه ، وإنما الكلام في القسم الاول ، وهو رفع الحكم عن
موضوعه في عالم التشريع والانشاء.