إن هذه الروايات مخالفة لما أجمع عليه
المسلمون قاطبة من أن القرآن لا طريق لاثباته إلا التواتر ، فإنها تقول : إن إثبات
آيات القرآن حين الجمع كان منحصرا بشهادة شاهدين ، أو بشهادة رجل واحد إذا كانت
تعدل شهادتين ، وعلى هذا فاللازم أن يثبت القرآن بالخبر الواحد أيضا ، وهل يمكن
لمسلم أن يلتزم بذلك؟ ولست أدري كيف يجتمع القول بصحة هذه الروايات التي تدل على
ثبوت القرآن بالبينة ، مع القول بأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر ، أفلا يكون
القطع بلزوم كون القرآن متواترا سببا للقطع بكذب هذه الروايات أجمع؟ ومن الغريب أن
بعضهم كابن حجر فسر الشاهدين في الروايات بالكتابة والحفظ [١].
وفي ظني أن الذي حمله على ارتكاب هذا
التفسير هو ما ذكرناه من لزوم التواتر في القرآن. وعلى كل حال فهذا التفسير واضح
الفساد من جهات :
أما ، أولا : فلمخالفته صريح تلك
الروايات في جمع القرآن ، وقد سمعتها.
وأما ، ثانيا : فلان هذا التفسير يلزمه
أنهم لم يكتبوا ما ثبت أنه من القرآن بالتواتر ، إذا لم يكن مكتوبا عند أحد ، ومعنى
ذلك أنهم أسقطوا من القرآن ما ثبت بالتواتر أنه من القران.
وأما ، ثالثا : فلان الكتابة والحفظ لا
يحتاج اليهما إذا كان ما تراد كتابته متواترا ، وهما لا يثبتان كونه من القرآن ، إذا
لم يكن متواترا.
وعلى كل حال فلا فائدة في جعلهما شرطا
في جمع القرآن. وعلى الجملة لا بد من طرح هذه الروايات ، لانها تدل على ثبوت
القرآن بغير التواتر ، وقد ثبت بطلان ذلك بإجماع المسلمين.