إن هذه الروايات مخالفة لحكم العقل ، فإن
عظمة القرآن في نفسه ، واهتمام النبي (ص) بحفظه وقراءته ، واهتمام المسلمين بما
يهتم به النبي (ص) وما يستوجبه ذلك من الثواب ، كل ذلك ينافي جمع القرآن على النحو
المذكور في تلك الروايات ، فإن في القرآن جهات عديدة كل واحدة منها تكفي لان يكون
القرآن موضعا لعناية المسلمين ، وسببا لاشتهاره حتى بين الاطفال والنساء منهم ، فضلا
عن الرجال. وهذه الجهات هي :
١ ـ بلاغة القرآن : فقد كانت العرب تهتم
بحفظ الكلام البليغ ، ولذلك فهم يحفظون أشعار الجاهلية وخطبها ، فكيف بالقرآن الذي
تحدى ببلاغته كل بليغ ، وأخرس بفصاحته كل خطيب لسن ، وقد كانت العرب بأجمعهم
متوجهين إليه ، سواء في ذلك مؤمنهم وكافرهم ، فالمؤمن يحفظه لايمانه ، والكافر
يتحفظ به لانه يتمنى معارضته ، وإبطال حجته.
٢ ـ إظهار النبي (ص) رغبته بحفظ القرآن
، والاحتفاظ به : وكانت السيطرة والسلطة له خاصة ، والعادة تقضي بأن الزعيم إذا
أظهر رغبته بحفظ كتاب أو بقراءته فإن ذلك الكتاب يكون رائجا بين جميع الرعية ، الذين
يطلبون رضاه لدين أو دنيا
٣ ـ إن حفظ القرآن سبب لارتفاع شأن
الحافظ بين الناس ، وتعظيمه عندهم : فقد علم كل مطلع على التاريخ ما للقراء
والحفاظ من المنزلة الكبيرة ، والمقام الرفيع بين الناس ، وهذا أقوى سبب لاهتمام
الناس بحفظ القرآن جملة ، أو بحفظ القدر الميسور منه.
٤ ـ الاجر والثواب الذي يستحقه القارئ
والحافظ بقراءة القرآن وحفظه : هذه أهم العوامل التي تبعث على حفظ القرآن
والاحتفاظ به ، وقد كان المسلمون