كنت ولعا منذ أيام الصبا بتلاوة كتاب
الله الاعظم ، واستكشاف غوامضه واستجلاء معانيه. وجدير بالمسلم الصحيح ، بل بكل
مفكر من البشر أن يصرف عنايته إلى فهم القرآن ، واستيضاح أسراره ، واقتباس أنواره
، لانه الكتاب الذي يضمن إصلاح البشر ، ويتكفل بسعادتهم وإسعادهم. والقرآن مرجع
اللغوي ، ودليل النحوي ، وحجة الفقيه ، ومثل الاديب ، وضالة الحكيم ، ومرشد الواعظ
، وهدف الخلقي ، وعنه تؤخذ علوم الاجتماع والسياسة المدنية ، وعليه تؤسس علوم
الدين ، ومن إرشاداته تكتشف أسرار الكون ، ونواميس التكوين. والقرآن هو المعجزة
الخالدة للدين الخالد ، والنظام السامي الرفيع للشريعة السامية الرفيعة.
أولعت منذ صباي بتلاوته ، واستيضاح
معانيه ، واستظهار مراميه ، فكان هذا الولع يشتد بي كلما استوضحت ناحية من نواحيه
، واكتشفت سرا من أسراره ، وكان هذا الولع الشديد باعثا قويا يضطرني إلى مراجعة
كتب التفسير ، وإلى سبر أغوارها. وهنا رأيت ما أدهشني وحيرني :
رأيت صغارة الانسان في تفسيره وتفكيره
أمام عظمة الله في قرآنه.
رأيت نقص المخلوق في تناهيه وخضوعه أمام
كمال الخالق في وجوبه وكبريائه.