اسم الکتاب : صراط الحق في المعارف الإسلامية و الأصول الإعتقادية المؤلف : المحسني، الشيخ محمد آصف الجزء : 1 صفحة : 36
تحصيل الحاصل الممتنع[1]،
و منه ينقدح أنّ ما توهّمه جمع من الأشعريين[2]
من عدم بطلان تكليف الجاهل بدعوى أن شرط التكليف فهمه لا التصديق به، فإن الغافل
من لا يفهم الخطاب، أو لم يقل له: إنك مكلّف، لا من لا يعلم أنّه مكلّف. فهو غفلة
عن الواضحات كما عرفت.
ثم
إنّه يلزمهم إفحام الأنبياء عليهم السّلام إذ لا وجوب قبل المعرفة كما عرفت، و لا
معرفة إلّا بعد النظر، فلو قال المكلّف: لا انظر حتى أعرف، لما كان للنبي عليه
سلطان، فبهذه الطريقة الأشعرية يمكن فرار الناس من الديانة الإسلامية.
و
بالجملة: مفاسد هذا القول كثيرة.
و
أمّا الاستشهاد بقوله تعالى: و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا[3]
على الوجوب الشرعي، بدعوى أن نفي العذاب قبل البعثة يكشف عن نفي الوجوب، فهو ضعيف،
فإن الكاشف عنه نفى استحقاق العذاب دون نفي فعليته و وقوعه كما في الآية الكريمة،
نعم من أنكر العفو و الشفاعة و جعل العذاب من لوازم المعصية كان الاستدلال عليه
متّجها من باب الجدل. هذا مع أنه- على تقدير صحّته- لا ينفي الوجوب الفطري
المتقدم؛ لانّ الشاك لا يرى حجّية لهذه الشهادة، فافهم.
و
الصحيح أنّ ظاهر الآية هو الإخبار بوقوع التعذيب سابقا بعد البعث، فيختصّ بالعذاب
الدنيوي الواقع على الأمم السالفة دون العقاب الأخروي كما يدل عليه ما بعد الآية:
قال اللّه تعالى: و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا
مترفيها ففسقوا فيها ... فدمرناها تدميرا و كم أهلكنا من القرون من بعد نوح
... الآيات[4] فالآية
الكريمة أجنبية عن محلّ الكلام بالكلية.
تعقيب
و تكميل
قضية
الأدلة المتقدمة هي وجوب المعرفة لأجل دفع الضرر أو وقوع الشكر على ما يناسب حال
المشكور المنعم، فهو وجوب غيري ليس بنفسي، و أمّا الوجوب الشرعي فقد دريت تعلّقه
بالنظر دون المعرفة كما صرح به قائله، نعم هنا وجهان آخران يدلّان على أن المعرفة
واجبة وجوبا نفسيا:
الاول:
ما أفاده الأصولي الشهير المحقق الهروي في كفاية الأصول قال: «نعم يجب
[1] و أما ما ذكره في القوانين 2/ 170 من لزوم الدور من
قولهم ففيه نظر فلاحظ.
[2] لاحظ شرح المواقف 1/ 158، و كلام ابن روزبهان في
احقاق الحق 1/ 161، و غيرهما.