الكلام
تارة في أصل وجوب النظر، و أخرى في أن الوجوب المذكور- على تقدير ثبوته- عقلي أو
شرعي. لكن البحث في الأول يغني عن الثاني فنقول:
و
الصحيح أنّه لا دليل على وجوب النظر في وجود واجب الوجود بما هو واجب او خالق أو
غير ذلك من الحيثيات؛ اذ لا حكم للعقل بذلك، و لا سبيل للشرع و تعبده إليه بلا شك.
و
إنما يجب ذلك من جهة وجوب دفع الضرر، فإن العقل حينما يقرع سمعه قول أناس- قليلين
أو كثيرين- بعقاب أخروي و عذاب دائمي لمن انكر المبدأ أو لم يعرفه و لم يعتقد به-
و هذا النداء كان مسموعا منذ صبيحة حياة البشر، و سيبقى قارعا إلى غروب وجوده-
يحتمل صدقه و كذبه قهرا، و لا سبيل له إلى تصديق أحد الطرفين قبل النظر.
فإذن
يتولد احتمال الضرر المذكور في ذهنه و يحصل له الخوف من احتمال صدق هذا القول، و
لا طريق لدفعه غير النظر، فيجب لوجوب دفع الضرر فطرة ولو كان محتملا؛ و ذلك لأنّ
الانسان- بل و كذا الحيوان و كل حساس- مجبول على حبّ ذاته، و ينشأ من هذا الحب
لزوم جلب المنافع و دفع المضار، و هذا الالزام ليس من قبل العقل، بل هو أمر فطري
كما تدلك عليه مشاهدة حال المجانين و الصبيان و الحيوانات، فإنّها تدفع الضرر عن
نفسها و تميل إلى منافعها و ما هو يلائم أنفسها.
و
إذا أعمل نظره و تفحّص عن الواقع فقد أمن من الضرر المذكور قطعا و تستريح نفسه من
الخوف جزما، فإنّه إن أدّى إلى الحقّ فقد فاز فوزا عظيما، و إن انجرّ إلى خلافه
فهو مأمون
[1] قال الشيخ المفيد قدّس سرّه في أوائل المقالات:
اتّفقت الإمامة على أنّ العقل يحتاج في علمه و نتائجه إلى السمع، و أنّه غير منفكّ
عن سمع ينبّه الغافل عن كيفية الاستدلال، و أنّه لا بدّ في أول التكليف و ابتدائه
في العالم من رسول.
و وافقهم في ذلك أصحاب الحديث، و
أجمعت المعتزلة و الخوارج و الزيدية على خلاف ذلك، و زعموا أنّ العقول تعمل
بمجرّدها من السمع و التوقيف إلّا أنّ البغداديين من المعتزلة خاصّة يوجبون
الرسالة في أوّل التكليف.
أقول: هذا الذي نقل اتّفاق
الإمامية عليه هو عين ما اخترناه في هذه الفائدة، و إنّما ذكرناه لئلا يظن تفرّدنا
بالموضوع.
اسم الکتاب : صراط الحق في المعارف الإسلامية و الأصول الإعتقادية المؤلف : المحسني، الشيخ محمد آصف الجزء : 1 صفحة : 32