اسم الکتاب : صراط الحق في المعارف الإسلامية و الأصول الإعتقادية المؤلف : المحسني، الشيخ محمد آصف الجزء : 1 صفحة : 251
المقام الثالث: في إطلاق
الكلام على القرآن
قد
عرفت أن الكلام من مقولة الكيف المسموع، و لا يقال للالفاظ المنقوشة: إنها كلام. و
أما إطلاق الكلام على القرآن المجيد في لسان المسلمين تبعا لقوله تعالى:
حتى يسمع كلام الله فهو باعتبار أن هذه الحروف أوجدها اللّه سبحانه
من غير وساطة، فمن سمعها- ولو من إنسان- فكأنّما سمع من اللّه تعالى.
و
هذا الإطلاق- بهذه العناية- شائع في العرف؛ و لذا يقال: سمعت كلامك من فلان، بلغني
كلامك، و هكذا، فالقرآن بمعنى كلامه حادث ضرورة حدوث الالفاظ المسموعة، و كذا
بمعنى المنقوش و المكتوب، و هو واضح و إن عميت عنه الحنابلة حتى إن إمامهم أحمد بن
حنبل أفتى بكفر من اعتقد مخلوقية القرآن! و نقل أيضا[1]
عن شرح المقاصد مناظرة أبي حنيفة و أبي يوسف ستة أشهر، ثم استقرار رأيهما على أنّ
من قال بخلق القرآن فهو كافر!
و
لعمري أن تكلّمه تعالى ممّا لا يحتاج إلى بحث و توضيح أصلا، غير أن مخالفة هؤلاء
الناس و تفرّدهم بأمر باطل حملنا على هذا البحث، و نختم كلامنا في هذه الفريدة
بنقل بعض الروايات الواردة عن أهل العصمة و الطهارة:
ففي
آخر رواية أبي بصير[2] قال:
«قلت: فلم يزل اللّه متكلما؟ قال فقال- أي الصادق عليه السّلام-: إن الكلام صفة
محدثة ليست بأزلية كان اللّه عزّ و جل و لا متكلّم». و رواها المفيد باختصار[3]
و في آخرها: «كان اللّه عزّ و جل و ليس بمتكلم ثم أحدث الكلام» و كذلك الشيخ
الطوسي قدّس سرّه[4]، و أما
الصدوق فرواها بتعبير آخر لكن ذيلها متّحد مع ما رواه الكليني[5].
و
في رواية عبد الملك بن أعين قال عليه السّلام: «كلام اللّه محدث و غير أزلي». و في
صحيحة صفوان قال الرضا عليه السّلام في جواب أبي قرة المحدث: «التوراة و الإنجيل و
الزبور و القرآن و كل كتاب أنزله كان كلام اللّه أنزله للعالمين نورا و هدى، و هي
كلها محدثة، فقال أبو قرة: فهل يفنى؟
قال
عليه السّلام: أجمع المسلمون على أن ما سوى اللّه فعل اللّه، و التوراة و الإنجيل
و الزبور القرآن فعل اللّه؛ ألم تسمع الناس يقولون: رب القرآن ... كلّها محدثة
مربوبة أحدثها من ليس كمثله شيء ...
فمن
زعم انهن لن يزلن فقد أظهر أن اللّه ليس بأول قديم و لا واحد، و ان الكلام لم يزل
معه.
أقول:
و هذا هو الإلزام بتعدّد القدماء كما اشتهر و سيأتي في محلّه.