اسم الکتاب : صراط الحق في المعارف الإسلامية و الأصول الإعتقادية المؤلف : المحسني، الشيخ محمد آصف الجزء : 1 صفحة : 168
بالأشياء أزلا قبل وجوداتها،
يحمل الأول منهما على الوقوع الشهودي المسبوق بالتعلّق الأزلي لا المسبوق بالجهل،
كما يدلّ عليه قوله عليه السّلام و القدرة على المقدور؛ إذ لا شكّ في لزوم اعتبار
القدرة قبل الشيء، و ضرورة بطلان وجودها بعد وجود المقدور، فافهم و اغتنم، و كأنّ
الرواية ناظرة إلى بطلان قول من نفى علمه تعالى بالأشياء الجزئية بما هي جزئية،
فانه اكتفى بالعلم الكلّي دون الجزئي كما مرّ. و الثاني منهما على نفي العلم
المستلزم لوجود المعلوم لا على نفي مطلق العلم، و لذا صرح الامام عليه السّلام-
على تقدير صحّة الرواية- بأنه تعالى ذات علامة و أن العلم ذاته.
فقد
تلخّص أن اللّه تعالى عالم أزلا بجميع الأشياء و أحوالها و خصوصياتها. نعم، إنه
تعالى غير عالم بالأشياء أزلا على نحو ظرفية الأزل للأشياء، و هذا من قبيل القضية
السالبة بانتفاء الموضوع، بل هو عالم بعدمها أزلا و بوجودها في أوقاتها، فالأزلي
هو العلم دون المعلوم، فإن كان مراد الأحسائي هذا المعنى- كما ربما يظهر من بعض
كلماته- فهو ممّا لا شك فيه عندنا.
ثم
إنّه ربما يورد على القول بتعلّق علمه أزلا بالحوادث بأنّه يستلزم وجوبها، و إلّا
لجاز ألّا يوجد فينقلب العلم جهل.
أقول:
و جوابه ما مر منا في مبحث القدرة.
التاسع:
إنّه لا يعلم الأمور الحاضرة، و شبهوه بكونه تعالى قادرا، قالوا: كما إنه لا يقدر
على الموجود فكذلك لا يعلم الموجود. نسبه ابن الراوندي إلى معمّر بن عباد أحد شيوخ
الأشاعرة، كما نقله الأحسائي في شرح العرشية[1].
و قد دريت أن الممكن حدوثا و قاء محتاج إلى فيض ربّه و التفات خالقه، فكيف لا يعلم
من خلق؟ فهذه الآراء الخبيثة و الأنظار السخيفة كلّها مخالفة للعقل و الشرع، و
الصحيح ما عرفت منّا و له الحمد.
و
اعلم أن أكثر هذه الأقوال المنحرفة عن الحقّ إنما نشأت من قياس علمه تعالى بعلمنا،
و على هذا لا جواب مقنع لها، و هؤلاء القائلون الذين ضلوا و اضلوا نسوا و غفلوا عن
استحالة الإحاطة بكنه الواجب اللامحدود لإنسان محدود وجوده و علمه.
الجهة
الرابعة: في بيان العلم الاجمالي للحكماء
قسم
جماعة كثيرة من الفلاسفة علم الواجب إلى الإجمالي و التفصيلي، بل يظهر من
السبزواري أن هذا التقسيم ممّا اتّفق عليه الكل، حيث قال[2]:
و العلم الاجمالي الكمالي المتّفق