اسم الکتاب : صفوة الصحيح من سيرة النبى الأعظم المؤلف : العاملي، السيد جعفر مرتضى الجزء : 1 صفحة : 117
صوابها و زعزعت وجودها و كيانها؛ فحاولت أن تتدارك الأمر، فلحقت بهم بهدف إرجاعهم و إبقائهم تحت سلطتها و لكن بعد فوات الأوان.
و كان أن اضطرّت قريش للمرّة الأولى لمراجعة حساباتها من جديد، بعد أن أدركت أنّزمام المبادرة لم يعد بيدها، و ذلك لأنّها:
1. أدركت أنّ الاستمرار في تعذيب المسلمين الّذين أصبحوا متفرّقين في مختلف القبائل لم يعدله كبير جدوى و لا جليل أثر، إن لم يكن سبباً في إثارة حرب داخليّة، تكون عواقبها السّيئة على سمعتها و كرامتها كبيرة و خطيرة.
2. رأت أنّ محمداً (ص) يريد أن تكون دعوته إنسانيّة عالميّة، لا تختصّ بعرب مكّة و الحجاز، و أدركت أنّ هجرة هؤلاء إلى الحبشة لم تكن متمحضّة في الهروب من التّعذيب، لانّ الكثيرين من هؤلاء لم يكن ممن يعذّب.
3. ترى أنّ معنى هجرة المسلمين هذه، و خروجهم من تحت سلطتها، هو أنّها سوف تكون أمام مواجهة شاملة، و أنّ مصالحها في معرض التّهديد و البوار.
إذن فإنّوجود المسلمين و هم من قريش في الصّميم في منطقة بعيدة عن نفوذ القرشيّين و سلطانهم، و في ملجأ أمين، و منطلق مطمئن، ليشكل أعظم الأخطار على قريش و مصالحها؛ الأمر الّذي يحتم عليها التّريث[1] و الصّبر، و أحكام التّدبير، لا سيّما و أنّها لا تجد إلى تصفية النّبيّ (ص) جسديّاً حيلةً، و لا إلى إسكاته سبيلًا، ما دام في حمايةشيخ الأبطح، أبي طالب (ع) و الهاشميّين، عدا أبي لهب. فأرسلت إلى النّجاشي ممثّلين عنها لاسترداد المهاجرين، فرجعها إليها بالفشل الذّريع و الخيبة القاتلة؛ فأفقدها ذلك صوابها و أصبحت تتصرّف بدون وَعى و لا تدبّرٍ، فعدّت من جديد على من تبقى من المسلمين بالعذاب و التّنكيل، و جعلت تتعرض للنّبي (ص) بالسّخريّة و الاستهزاء، و الاتّهام بالجنون و السّحر و الكهانة و بأنواع مختلفة من الحرب النفسيّة و الأذى.
[1] 1. تَرَيّثَ: أبطأ، و الرّيث: مقدار المهلة من الزّمان.
اسم الکتاب : صفوة الصحيح من سيرة النبى الأعظم المؤلف : العاملي، السيد جعفر مرتضى الجزء : 1 صفحة : 117