فإذا دق الصوت و خفت، فقد يدركه السمع الرهيف القوي، و قد يعجز عن إدراكه فيتلاشى لتأتي حصة أخرى مماثلة يكون لها نفس الحالة ..
فالسمع و المسموع متحدان في الوجود، و في التلاشي. و الاختلاف بينهما إنما هو في طرف النسبة، و ليس الأمر كذلك في المبصرات دقت أو جلت، فإن المبصرات تبقى موجودة، سواء نالتها الأبصار، أم عجزت عن نيلها ..
و السميعية تبقى هي الأهم، و الأولى بالملاحقة، لأن فوات السمع مساوق لفوات المسموع، لأن الصوت يتلاشى بصورة تدريجية كما قلنا ..
3- و من جهة أخرى: فإن المسموع إذا علمنا بوجوده عن غير طريق السمع، فإنما نعلم به- إذا لم يكن هناك إخبار غيبي- بعد انقضائه و تلاشيه .. أما المبصرات، فيمكن أن نعلم بوجودها مع بقائها. فيكون وجودها سابقا على علمنا، و مصاحبا و مرافقا له، و باقيا بعده ..
حاسة السمع هي الأسبق:
و عن حاسة السمع نفسها نقول: إن ثمة حديثا بين أهل الاختصاص عن أن حاسة السمع هي الأسبق ظهورا و نشاطا عند الجنين، و هي آخر الحواس موتا في الإنسان.
و هناك من يسعى إلى تأكيد ذلك، بما ثبت عن النبي [صلّى اللّه عليه و آله]، من أنه قد خاطب قتلى بدر، و هم في البئر. كما أن الإمام عليا [عليه السّلام] قد خاطب بعض القتلى في حرب الجمل، و قد أخبرا صلوات اللّه و سلامه عليهما و على آلهما: أن أولئك المخاطبين قد سمعوا و وعوا ذلك الخطاب، و لكنهم لا يقدرون على الجواب.