فينحصر الأمر بأن يكون المراد بالذكر في الآية هو متابعة رعاية واقع الشيء بكل خصائصه و مزاياه، و كمالاته الوجودية، فذكره ليس بالسعي لتوضيح، معالمه، و وضع حدود وجوده .. بل برعايته و بجعله شيئا له أهلية الرقي المستمر و الحضور الدائم .. و ذلك إنما يكون بإفاضة كل ما يحتاج إليه من مزايا و كمالات و ألطاف تناسب وجوده ..
الامتنان الإلهي .. هداية، و رعاية:
و لعلك تقول: لقد نهى اللّه عن المن على الآخرين، فقال: وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ..[1]، و قال: قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ[2] ..
ثم يقول: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ. فيكف ينهاهم سبحانه عن المنّ، ثم يمنّ هو عليهم؟! ..
و نقول في الجواب:
بما أن اللّه سبحانه هو الرب الهادي، و هو الخالق و المالك، و المنعم المتفضل، فامتنانه تعالى كمال، و هداية، و رعاية، و ربوبية.
و أما امتنان الناس على غيرهم، فهو نقص، و عجز، و هوان ..
و ذلك لأن امتنانه تعالى علينا لم يرد في سياق الادعاء، و لا هو بهدف التحقير و الإذلال. كما أنه ليس ناشئا عن عجب أو رياء، أو غرور، أو أي عيب آخر .. كما هو الحال في الامتنان الصادر عن البشر.
و إنما الامتنان منه تعالى قد جاء ليعيد الإنسان إلى حالة التوازن، و يفتح عينيه على واقعه، و هو للتذكير بالنعمة على سبيل إظهار حيثيات