فالربّ إذن قد جعل نظام الحياة بحيث ينشأ عن الأعمال في الدنيا عقوبة و مثوبة، يجدهما الإنسان في مستقبل حياته، و لا يمكنه أن يتجاوز تلك العقوبة، أو أن يتخلص منها إلا بتصحيح مساره بالتوبة، و بالعمل الصالح.
لأن المحاسب و المراقب هو علام الغيوب، و أقرب إليه من حبل الوريد.
و هذا من أهم أسباب ضبط حركة الإنسان، و سوقه نحو تصحيح سلوكه ..
ج: و نجيب على السؤال الثالث: أنه تعالى قال: نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً .. و لم يقتصر على قوله: نَخافُ مِنْ رَبِّنا، ليشير إلى أن هذا النظام الذي جعله اللّه لنا لنتكامل به و معه، و لينقلنا من حسن إلى أحسن، و ليحمينا من الانحراف- إن هذا النظام هو الذي يختزن في داخله هذا اليوم العبوس، لأن ذلك هو الذي يجعل النظام فاعلا و مؤثرا، و مربيا فعلا.
و الخلاصة:
إنه لم يقل: «من إلهنا»، لأنه يريد أن يشير إلى الربوبية، فهم لا يخافون من اللّه من حيث كونه إلها، فردا، صمدا .. إلخ .. و إنما يخافون الألوهية من جهة ما تقتضيه من أفعال ربوبية، فيها تدبير و حكمة، و جعل نظام، فيه مثوبة و عقوبة.
فاليوم الآتي من جهة الربوبية- بحسب ما تقتضيه من تدبير لأمرهم و إصلاح لشأنهم- هو الذي يخافونه ..
«إِنَّا نَخافُ ..» هل هي تعليل؟! قد يقال: إن قوله تعالى: إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً تعليل لقوله تعالى: إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ، كأنه قال: لما ذا جعلتم غاية الإطعام هي وجه اللّه؟! فجاء الجواب: إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ إِنَّا نَخافُ ..