و لا بد أن يلتفت قارىء هذه الآية إلى أن اللّه سبحانه بالنسبة للشكر قد عبّر بصيغة اسم الفاعل .. لكنّه بالنسبة لغير الشاكر جاء بصيغة المبالغة فقال: إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً .. أي كثير الكفر و شديده ..
و هذا التعبير هو الصحيح و الأولى، لأن الإنسان شديد الكفر، من حيث إن الحقائق التي يحاول طمسها و تجاهلها، هي من الظهور و الوضوح إلى الحد الذي تحتاج إلى جهد كبير و شدّة، ليتمكن من طمسها و حجبها. و هو أيضا كثير الكفر، و ذلك لكثرة الحقائق التي يعمل على إبعادها، و إسدال الحجاب عليها. سواء أكانت هذه الحقائق مما تدعوه إليها فطرته، أم مما يرشده إليها عقله، أم مما أوضحها له التشريع و البيان الإلهي ..
قوة الوضوح في البيان القرآني:
و إن أعظم ما يواجه الإنسان في قضايا الإيمان و الكفر هو الشأن العقيدي، لأنه يرتبط بأمور الغيب، و يحتاج إلى إدراك عقلي، و رؤية قلبية، و تلمس وجداني، يصل إلى حد صيرورة ذلك واضحا و بديهيا ..
و هذا ما أشير إليه في قوله تعالى: أَ فِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ[1] .. و عنهم [عليه السّلام]: «عميت عين لا تراك» ..
و قد قلنا: إن القرآن في بياناته لأمور العقيدة، يدفع بها لتصبح شأنا حياتيا، و واقعا عمليا، يتلمسه الإنسان في كل موقع و كل اتجاه .. و لا يتحدث له عنها بطريقة تجريدية، فلسفية، فراجع الآيات التي تتحدث