و لا يريد للغيب أن يبقى أمرا مجهولا، يخاف منه الإنسان؛ لأنّه لا يعرفه، و لا يتلمّسه. بل يريده أمرا حاضرا، و أن يحوّله إلى شهود، يتعامل معه بالحسّ و بالمشاعر القريبة. لا بالمشاعر الناشئة عن التخيّل، و عن الإلتذاذ بالأحلام، على طريقة أحلام اليقظة، حيث يتخيّل الإنسان نفسه أن له قصورا، و جبالا، و بساتين، و أنه يطير في الهواء، و غير ذلك.
إن الإسلام يريد أن يجسّد للإنسان المثل و القيم، و المعاني الإنسانية، و أضدادها، فيجسّد له الصدق، كما يجسّد له الكذب، و يجسّد له الإيمان، كما يجسّد له النفاق في حركة هذا و في كلمة ذاك، و في موقف هنا، و موقف هناك .. فتقرأ قصّة إبراهيم عليه السّلام في ذبح ولده اسماعيل عليه السّلام، و تقرأ أيضا قصّة عبد اللّه بن أبيّ حينما انخذل بالمنافقين في حرب أحد، و غير ذلك.
و من كلّ ما تقدّم يتّضح
: أنّ قوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ يريد أن يجسّد لنا جملة من المعاني، و القيم، و المعايير العامّة، و يربطها في هذا الحدث