و كان لا بد أن يكون ذلك السلوك و العمل، و تلك العبادة منسجمة مع طبيعة الهدف الذي يسعى إليه الإنسان، و هو أن يحقق هذا الإنسان ذاته، و يستجمع خصائصه و مزاياه الإنسانية، و يقيم حالة من التوازن فيما بين تلك الخصائص و المزايا، ليحقق من خلال ذلك انسجامها مع ذلك الهدف، و تناغمها معه بصورة إيجابية و بنّاءة و دافعة للحركة الصحيحة باتجاهه، و من ثم باتجاه مواقع الزلفى و القرب من اللّه سبحانه و تعالى.
و بعبارة أخرى: إن الإنسان إنما يسعد بإنسانيته، و باقامة حالة من التوازن بين كل خصائصه و مزاياه و طاقاته بجميع تنوعاتها، لأن حالة التوازن هذه هي التي تعطيه السّلام و الطمأنينة في ظل الرضى، و الرعاية الإلهية. و أي خلل و اهتزاز في حالة التوازن هذه- بسبب اقتراف معصية، أو بسبب تربية خاطئة- سيؤدي إلى اهتزاز هذا السّلام النفسي و تقويضه، و سينعكس سلبا على درجة القرب من اللّه سبحانه. قال تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ[1].
و من الواضح: أن إقامة حالة التوازن هذه، و سعادة الإنسان بإنسانيته، ثم السعي نحو اللّه سبحانه لنيل درجات القرب