ينسب إلى جملة من الأخباريّين عدم اعتبار القطع الحاصل من المقدمات العقلية، و قد أنكر بعض الأعاظم هذه النسبة و ادّعى أنّ الأخباريّين إنما ينكرون الملازمة بين حكم العقل و حكم الشرع. و ذهب آخرون منهم إلى عدم حصول القطع من المقدمات العقلية و أنّها لا تفيد إلّا الظن.
و حيث انجر الكلام إلى ذلك، ينبغي بيان نبذة من المباحث الراجعة إلى المستقلات العقلية. و القوم و إن أطالوا البحث عن ذلك و صنّفوا فيها رسائل، إلّا أنّه لما كان خارجا عن المقصود فالأنسب أن نقتصر بالإشارة إلى الجهات التي وقع البحث عنها، و تفصيلها يطلب من المطوّلات.
الجهة الأولى:
قد نسب إلى جملة من الأشاعرة إنكار الحسن و القبح العقليين و أنّ العقل لا يدرك حسن الأشياء و قبحها، بل بالغ بعضهم و أنكر ثبوت جهة الحسن و القبح للأشياء و أنّ الحسن ما حسّنه الشارع و القبيح ما قبّحه، و ليست الأحكام تدور مدار المصالح و المفاسد. بل الشارع يكون مقترحا في أحكامه من دون أن يكون هناك مرجّح، و أنّه لا مانع من الترجيع بلا مرجّح و لما كان هذا القول في غاية السخافة و السقوط أعرض عنه المحققون من الأشاعرة و التزموا بثبوت المصالح و المفاسد، و لكن اكتفوا بالمصلحة و المفسدة النوعية القائمة بالطبيعة في صحة تعلق الأمر ببعض أفراد تلك الطبيعة، و إن لم تكن لتلك الأفراد خصوصية توجب تعلق الأمر بها بل كانت الأفراد متساوية الأقدام بالنسبة إلى الطبيعة التي تقوم بها المصلحة، و يصح ترجيح بعض الأفراد على بعض بلا مرجّح بعد ما كان هناك مرجّح في أصل