نعم: ربّما يستظهر من استشهاد الإمام عليه السّلام بالآية المباركة عن السؤال عن تكليف الناس بالمعرفة، و جوابه عليه السّلام «لا، على اللّه البيان- لا يكلّف اللّه نفسا إلّا ما آتاها»[1] أنّ المراد من «الموصول» التكليف، لا المال و لا مطلق الشيء، فيكون المراد من «الإيتاء» الوصول و الإعلام، و إن كان يمكن أن يقال: إنّ المراد من المعرفة المسئول عنها المعرفة التفصيلية بصفات الباري و أحوال الحشر و النبوّة الخاصة و نحو ذلك، لا المعرفة الإجمالية بوجود الباري تعالى، فانّ المعرفة الإجمالية لا يمكن أن يتعلق التكليف بها إلّا على وجه دائر، و المعرفة التفصيلية لا يمكن إلّا بإقدار اللّه تعالى عليها، لأنّه لا يتمكن العبد من ذلك إلّا بعناية اللّه تعالى و إقداره، هذا.
و لكن الإنصاف: أنّه يمكن أن يراد من «الموصول» الأعم من التكليف و موضوعه، و إيتاء كل شيء إنّما يكون بحسبه، فانّ إيتاء التكليف إنّما يكون بالوصول و الإعلام، و إيتاء المال إنّما يكون بإعطاء اللّه تعالى و تمليكه، و إيتاء الشيء فعلا أو تركا إنّما يكون بإقدار اللّه تعالى عليه، فانّ للإيتاء معنى ينطبق على الإعطاء و على الإقدار، و لا يلزم أن يكون المراد من «الموصول» الأعم من المفعول به و المفعول المطلق، بل يراد منه خصوص المفعول به.
و توهم: أنّ المفعول به لا بد و أن يكون له نحو وجود و تحقق في وعائه قبل ورود الفعل عليه و يكون الفعل موجبا لإيجاد وصف على ذات المفعول به التي كانت مفروضة التحقق و الوجود [1] كزيد في قولك: «اضرب زيدا» فانّ زيدا كان موجودا قبل ورود الضرب عليه- و على ذلك يبتنى إشكال «الزمخشري» في
______________________________ [1] أقول: لو كان المراد من التكليف معناه اللغوي من الكلفة فلا بأس بجعل «الموصول» عبارة عن الخطاب و الحكم مع الالتزام بهذه القاعدة في المفعول به بلا عناية، إذ معنى الآية حينئذ «إنّ اللّه لا يوقع العباد في كلفة حكمه و خطابه إلّا خطاب أعلمه لهم و آتاهم» و هذا المقدار يكفى للقائل بالبراءة.
[1] أصول الكافي: كتاب التوحيد، باب البيان و التعريف و لزوم الحجة، الحديث