الجهة الثالثة: جهة البناء و الجري العملي على وفق العلم، حيث إنّ العلم بوجود الأسد مثلا في الطريق يقتضى الفرار عنه، و بوجود الماء يوجب التوجه إليه إذا كان العالم عطشان، و لعله لذلك سمّى العلم اعتقادا، لما فيه من عقد القلب على وفق المعتقد و البناء العملي عليه.
فهذه الجهات الثلاث كلها مجتمعة في العلم و تكون من لوازم ذات العلم، حيث إنّ حصول الصورة عبارة عن حقيقة العلم و محرزيته وجداني و البناء العملي عليه قهري.
ثم أنّ المجعول في باب الطرق و الأمارات هي الجهة الثانية من جهات العلم، و في باب الأصول المحرزة هي الجهة الثالثة، و توضيح ذلك هو أنّ المجعول في باب الأمارات نفس الطريقية و المحرزية و الكاشفية، بناء على ما هو الحق عندنا: من تعلق الجعل بنفس الطريقية، لا بمنشإ انتزاعها، كما هو مختار الشيخ (قده)- و سيأتي إن شاء اللّه تفصيله في مبحث الظنّ- و أنّ تصوير ما يكون منشأ لانتزاع الطريقية في غاية الإشكال، بل كاد أن يكون من المحالات. و ليس المجعول في باب الأمارات هو المؤدى بحيث يتعلق حكم بالمؤدى غير ما للمؤدى من الحكم الواقعي، فانّ ذلك غير معقول كما سيأتي، بل المجعول هو الطريقية و الوسطية في الإثبات و الكاشفية عن الواقع، أي تتميم الكاشفية بعد ما كان في الطرق و الأمارات جهة كشف في حد أنفسها، غايته أنّ كشفها ناقص و ليس ككاشفية العلم.
و من هنا اعتبرنا في كون الشيء أمارة من أن يكون له في حدّ ذاته جهة كشف، و الشارع في مقام الشارعية تمّم كشفه و جعله محرزا للواقع و وسطا لإثباته، فكأنّ الشارع في عالم التشريع جعل الظن علما من حيث الكاشفية و المحرزية بلا تصرف في الواقع و لا في المؤدى، بل المؤدى بعد باق على ما هو عليه من الحكم الواقعي صادفت الأمارة للواقع أو خالفت، لأنّه يكون من مصادفة الطريق أو مخالفة الطريق لذي الطريق من دون توسعة في