و الظاهر أنّ إعطاء مثل تلك الهديّة حرام أيضاً، لشمول الآية لها و الروايات الآتية و لأنّها رشوة بحسب ما يظهر من النظرة الواقعيّة، و لو بتنقيح المناط.
فعلى ذلك، إذا أعطي مال للقاضي إعطاءً خارجيّاً، أو بسبب العقد بقصد الرشوة، فلا ينتقل إليه، و يجب أن يردّ إلى صاحبه و لذلك يقول المحقّق رحمه الله: «و لو تلفت قبل وصولها إليه، ضمنها له».
و قد قيل في الفرق بينهما: إنّ الرشوة ما يعطى للقاضي ليحكم وفق منفعة المعطي، و الهدية ما يعطى له لتكون الصداقة و المحبّة بينهما، ثمّ لتنتهي مثلًا بالنتيجة إلى حكم القاضي لمنفعة المُهدي.[1] و الظاهر كما أسلفت، أنّ مثل هذا البذل غير جائز و الدليل عليه أخبار كثيرة؛ منها:
1- قال علي عليه السلام: «... و إن أخذ (الوالي) هديّة، كان غلولًا.»[2] 2- عن أبي الحسن الرضا، عن آبائه عن علي عليهما السلام في قوله تعالى: «أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ»[3] قال: «هو الرجل يقضي لأخيه الحاجة، ثمّ يقبل هديّته.»[4] 3- عن أبي حميد الساعدي: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله استعمل عاملًا على الصدقة فجاءه العامل حين فرغ من عمله فقال: يا رسول اللَّه! هذا الذي لكم و هذا الذي أهدي إليّ. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: فهلّا قعدت في بيت أبيك و أمّك فنظرت أ يهدى لك أم لا؟ ثمّ قام النبي صلى الله عليه و آله عشية على المنبر بعد الصلاة فتشهّد و أثنى على اللَّه بما هو أهله، ثمّ قال: أمّا بعد، فما بال العامل نستعمله فيأتينا فيقول هذا من عملكم و هذا الذي أهدي لي، فهلّا قعد في بيت أبيه
[1]- راجع: كتاب المكاسب، ج 1، ص 198- مستند الشيعة، ج 17، ص 72.
[2]- وسائل الشيعة، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به، ح 10، ج 17، ص 94.