البلد الذي عيّن فيه القاضي يقرب من بلد الإنسان الذي عيّنه. و يستدلّ أصحاب هذا المذهب بأنّ الخبر إذا استفاض بين الناس يعلمه القريب و البعيد، و يقف عليه القاصي و الداني، و لا سبيل إلى إنكاره، فيحصل به المقصود من العقد، مثل ما يحصل بشهادة الشهود، فتصحّ التولية بمجرّد استفاضة الخبر، لأنّه طريق لعلم أهل البلد بالتولية، و سبيل إلى وصول الخبر إليهم.
و نحن نرجّح اشتراط كتابة عقد التولية، و الإشهاد على تولية القاضي و لا سيّما بعد اتّساع رقعة الدولة الإسلاميّة و فساد الضمائر و خراب الذمم، فالشريعة الإسلاميّة قد سدّت باب المنازعات و الخلافات، و ترك الإشهاد سيجرّ على الأمّة الإسلاميّة وبالًا كبيراً و شرّاً مستطيراً، و لذلك يجب- في نظرنا- كتابة العقد.»[1] ثمّ إنّه يعلم من هذه الأقوال أنّ الطرق المتصوّرة لإثبات ولاية القاضي أربع: السماع، البيّنة، الكتابة و الاستفاضة.
أمّا السماع من الوالي مشافهة فلا إشكال في حجّيّته و ثبوت الولاية به و كذلك البيّنة بشرائطها و أمّا الكتابة فهي تثبت الولاية بها إذا أفادت العلم أو الاطمئنان العرفيّ العقلائيّ.
أمّا الاستفاضة فإثبات الولاية بها يحتاج إلى بيان أمرين:
الأوّل، في مفهومها و هي عبارة عن إخبار جماعة على أمر خاصّ دون التواتر عليه فهي قسيم الخبر المتواتر و الواحد.
قال الطريحي رحمه الله: «استفاض الحديث: شاع في الناس و انتشر، فهو مستفيض اسم فاعل، و منه «اثر مستفيض» أي مشهور» و قال: «و فاض الخبر: إذا شاع و كثر.»[2] الثاني، في مدى حجّيّتها فنقول: الاستفاضة قد تفيد العلم القطعي أو الظنّ الغالب