آلة "الوسط الأخلاقي" فالأفعال متى كانت متوسطة حصل الخلق الجميل ومتى زالت عن الاعتدال لم يكن عنها خلق جميل([566])، والتواضع هو المبرأ من الخسة والأنانية، وذلك: بإعطاء كل فرد ما يستحقه من الحفاوة والتقدير، بحسب منزلته ومؤهلاته. لذلك لا يحسن التواضع للأنانيين والمتعالين على الناس بزهوهم وصلفهم، إنّ التواضع والحال هذه مدعاة للذل والهوان، وتشجيع لهم على الأنانية والكبر([567]).

وإنّ التواضع دليل على كمال النفس وسموها وشرفها، والتواضع لا يزيد العبد إلاّ رفعة وعظمة، وقد حذا الإمام الحسن (عليه السلام) حذو جده وأبيه في أخلاقه الكريمة، وقد أثبت التأريخ بوادر كثيرة تشير إلى سمو الإمام في هذا الخلق الرفيع:

1- اجتاز الإمام على جماعة من الفقراء قد وضعوا على الأرض كسيرات وهم قعود يلتقطونها ويأكلونها، فقالوا له: هلم يا ابن بنت رسول الله إلى الغذاء، فنزل (عليه السلام) وقال: " إنّ الله لا يحب المستكبرين "، وجعل يأكل معهم حتى اكتفوا والزاد على حاله ببركته، ثم دعاهم إلى ضيافته واطعمهم وكساهم.

2- ومر (عليه السلام) على صبيان يتناولون الطعام فدعوه إلى مشاركتهم فأجابهم إلى ذلك، ثم حملهم إلى منزله فمنحهم بره ومعروفه، وقال: " اليد لهم لأنّهم لم يجدوا غير ما أطعموني ونحن نجد ما أعطيناهم"([568]).

[566] الفارابي: التنبيه على سبيل السعادة, تحقيق د. جعفر ال ياسين, دار المناهل, بيروت, 1985, ص13.

[567] الصدر: أخلاق اهل البيت, ص36.

[568] لجنة التأليف: أعلام الهداية الإمام الحسن " المجتبى ", ص38-39.