أولاً: القصيدة الاستنهاضية المكتملة

1. المقدمة

وهي الخطوة الأولى للشعراء في إفراغ أحاسيسهم ومشاعرهم وهي بمنزلة المفتتح الذي يسلكه الشاعر لتهيئة المتلقي له، ويجعل منه شعلة منجذبة نحوه، ومن هذا المنطلق فان الاهتمام بالمقدمة يأتي من ضرورة العمل الشعري. وعليه فقد "اهتم النقاد والقدامى بمقدمة القصيدة العربية وأكدوا على أهميتها ووصفوا الدخول إلى غرض القصيدة مباشرةً بلا مقدمة هجوماً عليه[145]. فالمقدمة ظاهرة من الظواهر الفنية التي صاحبت القصيدة العربية على اختلاف العصور التي مرت عليها والأمصار التي انتقلت إليها. وهي ظاهرة لم تتخذ شكلا واحداً بل تعددت أشكالها وتنوعت صورها، لا في العصور التي تلت العصر الجاهلي، بل في أول عهدها يوم أن أصّل شعراء الطليعة المبدعة في الجاهلية لقصائدهم مجموعة من التقاليد الفنية التي كان من أشهرها حرصهم على افتتاح مطولاتهم بألوان مختلفة من المقدمات: فقد "كانوا يستهلون قصائدهم إما بالمقدمة الطللية، أو الغزلية، أو مقدمة وصف الظعن، او مقدمة الشباب والشيب أو مقدمة وصف الطيف، أو مقدمة الفروسية، كما اشترطوا ان يكون حلواً سهلاً وفخماً جزلاً"[146].

لذلك نرى أنَّ هذه المقدمات قد جذبت الشعراء باختلاف أزمانهم إلى يومنا على الرغم من اختلاف ظروفهم وأماكنهم التي يعيشون فيها استشعاراً منهم

[145] القيرواني، (أبو علي الحسن بن رشيق الأزدي، ت 456هـ): العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، حققه وفصله وعلق حواشيه محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، مصر، ط2، 1955م: 1/356.

[146] عطوان، (د. حسين): مقدمة القصيدة في العصر العباسي الأول، دار الجيل، بيروت، ط2، 1987م: 256.