وبعد أن قطع العلماء في هذا المضمار
شوطاً ليس بالقريب, عنّ لهم ما اعتمدوه مصطلحا, ولما تقدم قد يُعذر من قال بالنسخ
من الماضين في مواضع ليست منه على ما اصطلح عليه المتأخرون, حيث إن أكثرهم لا يقصد
بالضرورة رفع مثل الحكم الثابت للآية المتقدمة بالآية المتأخرة.
فالنسخ في اللغة بمعنى الإزالة
والنقل, قال الجوهري: «نسخت الشمس الظل وانتسخته: أزالته. ونسخت الريح آثار الدار»[284].
واصطلاحاً: «هو رفع أمر ثابت في
الشريعة المقدسة بارتفاع أمده وزمانه، سواء أكان ذلك الأمر المرتفع من الأحكام
التكليفية أم الوضعية، وسواء أكان من المناصب الإلهية أم من غيرها من الأمور التي
ترجع إلى الله تعالى بما أنه شارع»[285],
أو هو بيان إيقاف استمرار حكم الآية لحكمة يقتضيها التشريع, معلومة له تعالى,
وينتج عن ذلك اختلاف الفهم إذا ثبت النسخ بين الآيتين أو لم يثبت, ما دامت هناك
علقة بين الآيتين تقتضي الجمع بين مفاديهما ومعالجته, ولو كان بالمعنى التبعي
الإلتزامي للنص, فالألفاظ إما أن تدل بمنطوقها أو بفحواها أو باقتضائها وضرورتها
أو بمعقولها المستنبط منها, فالأول دلالة المنطوق والثاني دلالة المفهوم والثالث
دلالة الاقتضاء والرابع دلالة الإشارة[286].
لذا
أولى المفسرون العناية في علم الناسخ والمنسوخ لما له من الأثر الكبير في بيان
المراد من الخطاب في القرآن الكريم, فمنهم من بنى على القول بما تحقق في علم
الأصول
[283]- ينظر: أبو القاسم الخوئي: البيان في تفسير
القرآن/ 277.