الحَقِّ في أمرِ صاحِبِكُم. وَاللَّهِ! ما باهَلَ قَومٌ نَبِيّاً قَطُّ فَعاشَ كَبيرُهُم ولا نَبَتَ صَغيرُهُم، ولَئِن فَعَلتُم لَكانَ الاستِئصالُ، فَإِن أبَيتُم إلَّاالإِصرارَ عَلى دينِكُم وَالإِقامَةِ عَلى ما أنتُم عَلَيهِ، فَوادِعُوا الرَّجُلَ وَانصَرِفوا إلى بِلادِكُم.
وكانَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله خَرَجَ وعَلَيهِ مِرطٌ[698] مِن شَعرٍ أسوَدَ، وكانَ قَدِ احتَضَنَ الحُسَينَ وأَخَذَ بِيَدِ الحَسَنِ، وفاطِمَةُ تَمشي خَلفَهُ، وعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ خَلفَها، وهُوَ يَقولُ: إذا دَعَوتُ فَأَمِّنوا.
فَقالَ اسقُفُّ نَجرانَ: يا مَعشَرَ النَّصارى! إنّي لَأَرى وُجوهاً لَو سَأَلُوا اللَّهَ أن يُزيلَ جَبَلًا مِن مَكانِهِ لَأَزالَهُ بِها، فَلا تُباهِلوا فَتَهلِكوا ولا يَبقى عَلى وَجهِ الأَرضِ نَصرانِيٌّ إلى يَومِ القِيامَةِ.
ثُمَّ قالوا: يا أبَا القاسِمِ، رَأَينا أن لا نُباهِلَكَ وأَن نُقِرَّكَ عَلى دينِكَ.
فَقالَ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيهِ: فَإِذا أبَيتُمُ المُباهَلَةَ فَأَسلِموا؛ يَكُن لَكُم ما لِلمُسلِمينَ وعَلَيكُم ما عَلَى المُسلِمينَ، فَأَبَوا، فَقالَ: فَإِنّي اناجِزُكُمُ القِتالَ، فَقالوا: ما لَنا بِحَربِ العَرَبِ طاقَةٌ، ولكِن نُصالِحُكَ عَلى أن لا تَغزُوَنا ولا تَرُدَّنا عَن دينِنا، عَلى أن نُؤَدِّيَ إلَيكَ في كُلِّ عامٍ ألفَي حُلَّةٍ: ألفاً في صَفَرٍ، وأَلفاً في رَجَبٍ، وثَلاثينَ دِرعاً عادِيَةً مِن حَديدٍ.
فَصالَحَهُم عَلى ذلِكَ. وقالَ: وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ، إنَّ الهَلاكَ قَد تَدَلّى عَلى أهلِ نَجرانَ، ولو لاعَنوا لَمُسِخوا قِرَدَةً وخَنازيرَ، ولَاضطَرَمَ عَلَيهِمُ الوادي ناراً، ولَاستَأَصَلَ اللَّهُ نَجرانَ وأَهلَهُ، حَتَّى الطَّيرَ عَلى رُؤوسِ الشَّجَرِ، ولَما حالَ الحَولُ
[698]. المِرطُ: كِساءٌ من صوفٍ أو خَزٍّ كان يؤتَزَرُ به( مجمع البحرين: ج 3 ص 1688« مرط»).