توسيع
رقعة الخلاف وإثارة الأُمّة ضدَّ عثمان ، إلّا أنَّنا ـ ومع
ذلك ـ نحتمل وجود سبب آخر ـ كامن وراء الكواليس ـ لم يبحثه الباحثون ولم يحقِّقوا
فيه .
إذا إنَّ سوء سيرة الخليفة الماليّة ـ
وكما قلنا ـ لا تستوجب القتل ،
وقد ثبت عن عثمان أنّه كان يغدق الأموال بشكل وفير على الجميع ، حتى احتمل البعض بأنَّ لينه ، وسماحة طبعه وكرمه هما اللذان أدّيا
إلى مقتله ،
وأنَّ إغداقه على أعدائه ليس بأقلّ ممّا خصّ به أقرباءه ، فقد روي بأنّ طلحة قد اقترض منه خمسين
ألفا ؛ فقال لعثمان ذات يوم :
قد تهيّأ مالك فأرسل من يقبضه ،
فوهبه له[146] .
وفي مكان آخر : وصل عثمانُ طلحةَ بمائتي ألف ،
وكثرت مواشيه وعبيده ، وقد بلغت غلّته من العراق وحدها ألف دينار يوميّاً [147] .
يقول ابن سعد في طبقاته : لمّا مات طلحة كانت
تركته ثلاثين مليونا من الدراهم ، وكان النقد منها مليونين ومائتي ألف درهم ومائتي ألف دينار[148] .
فمن البعيد أن يكون طلحة ـ ذلك المنتفع ـ من المخالفين لسياسة عثمان الماليّة ، فما هو السبب للمخالفة ياترى ؟
هل هو الطمع في الحكم ، أم الغيرة على الدين ؟
أنا لست من أنصار الشقّ الثاني من السؤال ،
بل أرى أنَّ الطمع في كرسي الحكم هو وراء موقف طلحة ،
وهذا ما كانت تتوقعه عائشة كذلك .
أمَّا
بخصوص عبدالرحمن بن عوف ، فقد حاول عثمان استمالته بأن وعده
[146] أنظر : تاريخ الطبري 3 : 433 باب بعض
من سيّر عثمان بن عفان ، والكامل في التاريخ 3 : 73
/ باب ذكر بعض سيرة عثمان بن عفان .
[147] انظر مقدمة ابن
خلدون 1 : 204 / الفصل 28 ،
الإستقصار لأخبار دول المغرب الأقصى 1 : 96 / باب فتح أفريقية .