ونقول: يا أبا الحسن -هداك الله- هذا حجة الله على الجن والإنس، ومَن
لا تثبت حجته على الخلق إلّا بعد الدعاء والبيان محمّدٌ (ص) قد أخفى شخصه في الغار، حتى لم يعلم بمكانه ممّن احتج الله عليهم به إلّا خمسة نفر[805].

فإن قلت: إنّ تلك غيبة بعد ظهوره، وبعد أن قام على فراشه مَن يقوم مقامه.

قلت لك: لسنا نحتجُّ عليك في حال ظهوره، ولا استخلافه لمن يقوم مقامه مِن هذا في قبيل ولا دبير[806]، وإنّما نقول لك: أليس تثبت[807] حجته في نفسه في

[805] المراد بالخمسة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب ، وأبو بكر، وعبد الله بن أريقط الليثي، وأسماء بنت أبي بكر، وعامر بن فهيرة. والقصة كما يأتي:

بقي رسول (ص) في الغار ثلاثة أيام، ثمّ أذن الله له في الهجرة، وقال: «يا محمّد، اخرج عن مكة فليس لك بها ناصر بعد أبي طالب». فخرج رسول الله (ص) ، وأقبل راع لبعض قريش يُقال له: (ابن أريقط)، فدعاه رسول الله (ص) وقال: «يا ابن أريقط، ائتمنك على دمي؟» قال: إذًا أحرُسُك، وأحفظُك، ولا أدلُّ عليك فأين تريد يا محمّد؟ قال: «يثرب»، قال: والله لأسلكن بك مسلكًا لا يهتدي إليه أحد، قال له رسول الله (ص) : «ائتِ عليًا، وبشـره بأنّ الله قد أذن لي في الهجرة، فيهئ لي زادًا وراحلةً». وقال أبو بكر: ائتِ أسماء بنتي، وقل لها: تهيأ لي زادًا وراحلتين، وأعلِمْ عامر بن فهيرة أمرنا -وكان من موالي أبى بكر، كان قد أسلم- وقل له: ائتنا بالزاد والراحلتين، فجاء ابن أريقط إلى علي، وأخبره بذلك، فبعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله (ص) بزاد وراحلة، وبعث ابن فهيرة بزاد وراحلتين. وخرج رسول الله (ص) من الغار، وأخذ به ابن أريقط على طريق نخلة بين الجبال، فلم يرجعوا إلى الطريق إلّا بقديد. (إعلام الورى: 1/148، وينظر: كمال الدين: 56 الهامش 3).

[806]القبيل:ما أقبلتَ به إلى صدرك. والدبير: ما أدبرتَ به عن صدرك. ويُقال: فلان ما يعرف قبيلًا ولا دبيرًا. والمراد ما أقبلت به المرأة من غزلها وما أدبرت. وهذا الكلام تعريض لابن بشّار، يعني أنّه لا يدري ما يقول، ولسنا نحتج عليه في هذا الأمر. (ينظر: كمال الدين: 57 الهامش1).

[807] في (ت): «تثبت».