قد یبدو أنّ التحدّث عن رجال الحدیث من الحقول الاختصاصیة التی لا یمکن أن یتدارسها إلّا النزر من ذوی الخبرة و الاختصاص، و المتمرِّسین بالمعرفة الرجالیة القدامی، الذین اسبغوا علی هذا العلم التوقیفیة و التعبّد، أُولئک الذین ظلّت خبراتهم، و درایاتهم حجّة قاطعة علی من تخلّف عنهم بینما ظلّت أقوال المتأخِّرین، و خبراتهم حجّة اجتهادیّة، یمکن مناقشتها، و النّظر فیها، و الحکم لها أو علیها.
علم الرِّجال بین النصّ و الاجتهاد:
و یمکن أن تکون الحجّة فی الأخذ بما رکّز علیه الروّاد الأوائل فی الکتب الأُصول، کأساس موثوق به، و هو قرب عهدهم بالأئمة و الرِّجال، و بمناهج الحدیث، و طبقات المحدِّثین بالمصادر التی مکّنتهم من المعرفة الخاصّة بأحوالهم. ________________________________________
کما یمکن أن تکون الحجّة فی إمکانیّة النظر و الاجتهاد فی کلّ ما جاؤوا به من مبانٍ و أحکام علی مصایر الرجال، فیما أمکن لموضوعات هذا العلم من أن تنسلخ عن إطار أُصولها، و قواعدها التقلیدیة الموروثة، و نطاق نصوصها، و أحکامها التوقیفیّة، و ما أمکن أیضاً لتفریعاته و لواحقه من أن تدخل فی عِداد المسائل الاجتهادیّة لهذا العلم، کان ذلک هو الجانب الرِّجالی الذی ظلّت دراسته، و النظر فیه من مقوّمات الأخذ بالتشریع الإسلامی، الذی یعتمده المجتهدون فی ممارستهم لعملیّات الاجتهاد و الإفتاء. و ما أثبته الرجالیّون القدامی من الترجمة الرجالیّة فی حقّ المحدِّثین و الرّواة، فأمر موثوق به، لا ملزم إلی مناقشته و النّظر فیه. إلّا أنّ ما وضعوه من القواعد الرِّجالیّة التی استندوا إلیها فی مجال التعدیل و التوثیق فهو أمر یمکن مؤاخذته، و النقض علیه، فإنّ هذا الجانب إنّما یستند إلی الرأی و الاجتهاد، و یقع ضمن قاعدة، أو مبنیٰ رجالی، لا یتبنّاه الرِّجالیّون المحدِّثون، أو قد یسعهم مناقشته، و الطّعن فی حجّیّته. و لا بدّ من أن ندرک أنّ مصادر التشریع و أُصوله التی تستند إلیه أحکام الفقه الإسلامی، و إن اختلفت أو تعدّدت، إلّا أنّ غالبیّة هذه الأحکام التفصیلیة إنّما تستند فی تشریعها و استنباطها علی مصدر واحد، یتّسع دوره و نطاقه هو السنّة المرویّة، فإنّ