مع أنّ رواية الحديث المذكور
إنّما وقعت من طرقهم، و هي الأصل في هذا النوع من الاضطراب كغيره من أكثر أنواع
الحديث، فإنّها من مستخرجاتهم بعد وقوع معانيها في حديثهم فذكروها بصورة ما وقع، و
اقتفى جماعة من أصحابنا في ذلك أثرهم، و استخرجوا من أخبارنا في بعض الأنواع ما
يناسب مصطلحهم و بقي منها كثير على حكم محض الفرض.
و
لا يخفى أنّ إثبات الاصطلاح للمعنى بعد وقوعه و تحقّقه أبعد عن التكلّف و احتمال الخطأ
من إثبات المعنى للاصطلاح بعد وقوعه و تحقّقه، و أنّ البحث عمّا ليس بواقع و
اتّباعهم في إثبات الاصطلاح له قليل الجدوى، بعيد عن الاعتبار، و مظنّة للإيهام،
هذا؛
و
صورة الاضطراب الواقع في سند الحديث المذكور على ما حكاه بعض محقّقي أهل الدّراية
من العامّة[1] أنّ أحد
رواته رواه تارة عن أبي عمرو محمّد بن حريث بساير الإسناد، و تارة عن أبي عمرو بن
حريث، عن أبيه بالإسناد، و ثالثة عن أبي عمرو بن محمّد بن عمرو بن حريث، عن جدّه
حريث بن سليم بالإسناد، و رابعة عن أبي عمرو بن حريث، عن جدّه حريث، و خامسة عن
حريث بن عمّار بالإسناد، و سادسة عن أبي عمرو بن محمّد، عن جدّه حريث بن سليمان، و
سابعة عن أبي محمّد بن عمرو بن حريث عن جدّه، حريث- رجل من بني عذرة-.
و
قال بعد حكاية هذا القدر: إنّ فيه اضطرابا غير ما ذكر.
و
أمّا ثالثا فلأنّ منع الاضطراب الواقع على الوجه المذكور في كلام العامّة من صحّة
الخبر و قبوله أمر واضح لدلالته على عدم الضّبط الّذي هو شرط فيهما، و بهذا علّلوا
اقتضاء الاضطراب ضعف الخبر، و لا ريب فيه كما لا شكّ في عدم وقوع مثله في أخبارنا
لا سيّما السليمة من الضعف بغيره؛ فالبحث عن حكمه و بيان منعه من الصحّة لا طائل
تحته.
و
أمّا ما يقع منه على الوجه الّذي ذكره والدي- رحمه اللّه- و خصوصا