ايّاه لما كان يعتقد صفاء ذهنه و حسن سليقته و رواء طبعه و حسن تصّرفه فى مضامير الكلام، و هو كما استفيد لنا من تضاعيف كلماته كان مدّعيا لمرتبة الاجتهاد قبل أوان بلوغه، و كان معظّما عند علماء تلك الصفحة و امرائها الخاصّة و العامّة من لدن وفات ابيه المبرور بل قبل ذلك، و له من اولئك نوادر حكايات و وقايع تدلّ على عظم موقعه منهم شافهنى المرحوم بحكاية جملة وافرة منها لا يسعها المقام.
و كان- رحمه اللّه- فى غاية الشفقّة معى و اعاننى على هذا التّصنيف كثيرا، و قد اصطنعه بما لا مزيد عليه؟ و أخذ منّى كراريس السّابقة على هذا المقام و لم يردّها علىّ إلى قريب من زمان مسافرته إلى اللّه تعالى؛ و كنّا نتكلّم معه كثيرا فى تلك السّفرة من جهة ضعف البنية و كثرة امراض بدنه الغالبة عليه و هو يجيبنا بانّى لست اريد من هذه المسافرة إلّا وفاة فى سبيل اللّه، و دفنا فى جوار اهل بيت المعصومين عليهم السّلام بعد ما وصلت إلى هذه الدّرجة من العمر، و كان- رحمه اللّه- اذ ذاك قد ناهز السّبعين الّا انّه رحمه اللّه- لطول قامته و عظم جثته و مقاميّة بدنه و تراكم مصائب الاولاد و سائر الواردات عليه، كان فى غاية الضعف و الانكسار، فصار الامر كما اراد، فانّه- قدّس اللّه تربته- خرج من اصفهان المحروسة الّتى بها موطن أهله و عياله مع بعض ابناءه الصّغار إلى تلك الدّيار فى أواخر شوّال سنة اثنتين و ستّين بعد المأتين و الالف، فبلغ أرض الكاظمين (ع) فى أوائل ذى الحجة المباركة، و كان مجاورا أرض جدّها المكرّم شهورا عديدة، ثمّ ارتحل منها إلى زيارة مولانا الحسين عليه السّلام و منها إلى حضرة أسد اللّه الغالب والد الحسنين عليهما السلام، فعزم المجاورة فى أرضه المقدّسة بقيّة عمره، و كان نزيل بيت أخيه السّيد أبى الحسن الفاضل السرى المجاور بالغرىّ إلى ان توفى فيها فى ليلة مباركة صبيحتها.
يوم مطر شديد البرد مع السّلام و كثير الرّحمة و الاحترام و هى ليلة الجمعة الرّابعة عشر من شهر محرّم الحرام هذه السّنة الّتى هى الرابعة و الستين بعد المأتين و الالف التّمام من هجرة سيد الانام كما ذكر لى بعض من كان فى خدمته الباهية من أبنائه الكرام و صلّى عليه