الديلمى، و أجزل جائزته، و لمّا رجع من عنده عرض له فاتك ابن أبى الجهل في عدّة من أصحابه، و كان مع المتنبّى أيضا جماعة من أصحابه و قاتلوهم فقتل المتنبّى و ابنه محسّد، و غلامه مفلح بالقرب من نعمانيّة بغداد في موضع يقال له: الصافية، و ذلك في يوم الأربعا لستّ بقين من شهر رمضان سنة أربع و خمسين و ثلاثمأة.
و قيل: و سبب ذلك المحرّك لهم على هذه الجناية قوله في الفخريّة معرّضا:
الخيل و الليل و البيداء تعرفنى
و العطن و الضرب و القرطاس و القلم
على حذ و ما يقوله الفرزدق في مدح السجّاد عليه السّلام:
هذا الّذي تعرف البطحاء و طأته
و البيت يعرفه و الحلّ و الحرم
و ليس ببعيد حيث إن آفة الإنسان اللسان، و لنعم ما قال بالفارسيّة:
[زبان سرخ سر سبز ميدهد بر باد]
و في الحديث: إنّ اللسان يسأل في كلّ صباح عن سائر الأعضاء كيف أصبحتم؟
فيقولون: بخير لو أمنتنا من شرّك. هذا
و قال صاحب «يتيمة الدهر»: قال ابن جنى النحوي: سمعت أبا الطيّب. فيقول:
إنّما لقّبت بالمتنبّي لقولى:
أنا ترب الندى و ربّ القوافى
و سمام العدى و غيظ الحسود
أنا في امّة تداركها اللّه
غريب كصالح في ثمود
ما مقامى بأرض نخلة إلّا
كمقام المسيح بين اليهود
و قيل: إنّه تنبّىء في صباه، و فتن شرذمة نفّق أدبه، و حسّن كلامه. و ذكر أنّه لمّا أنشد أبو الطيّب سيف الدولة قصيدته الّتي أوّلها:
أجاب دمعى و ما الداعى سوى طلل
دعى فلبّاه قبل الركب و الإبل
و ناوله نسختها، و خرج فنظر فيها سيف الدوله. فلمّا انتهى إلى قوله:
يا أيّها المحسن المشكور من جهتى
و الشكر من قبل الإحسان لا قبلى
أقل أنل أقطع احمل علّ سلّ أعد
زدهشّ بشّ تفضّل ادن سرّ صل
وقعّ تحت أقل: اقلناك، و تحت أنل: يحمل إليه، من الدراهم كذا و كذا،