اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 387
أو أعرض عنهم )
وبهذا تمسك من رأى الخيار ، ومن أوجبه اعتمد قوله تعالى :
﴿ وأن احكم بينهم ﴾
ورأى أن هذا ناسخ لآية التخيير .
وأما من رأى وجوب الحكم عليهم وإن لم يترافعوا ، فإنه احتج بإجماعهم على أن الذمي إذا سرق قطعت يده
الباب الخامس : في كيفية القضاء
وأما كيف يقضي القاضي ، فإنهم أجمعوا على أنه واجب عليه أن يسوي بين
الخصمين في المجلس وألا يسمع من أحدهما دون الآخر ، وأيبدأ بالمدعي فيسأله
البينة إن أنكر المدعى عليه .
وإن لم يكن له بينة فإن كان في ماله وجبت اليمين على المدعى عليه
باتفاق ، وإن كانت في طلاق أو نكاح أو قتل وجبت عند الشافعي بمجرد الدعوى .
وقال مالك : لا تجب إلا مع شاهد ، وإذا كان في المال فهل يحلفه
المدعى عليه بنفس الدعوى أم لا يحلفه حتى يثبت المدعي الخلطة اختلفوا في
ذلك ، فقال جمهور فقهاء الامصار : اليمين تلزم المدعى عليه بنفس الدعوى
لعموم قوله عليه الصلاة والسلام من حديث ابن عباس : البينة على المدعي
واليمين على المدعى عليه وقال مالك : لا تجب اليمين إلا بالمخالطة ، وقال
بها السبعة من فقهاء المدينة .
وعمدة من قال بها النظر إلى المصلحة لكيلا يتطرق الناس بالدعاوي إلى
تعنيت بعضهم بعضا ، وإذاية بعضهم بعضا ، ومن هنا لم ير مالك إحلاف المرأة
زوجها إذا ادعت عليه الطلاق إلا أن يكون معها شاهد ، وكذلك إحلاف العبد
سيده في دعوى العتق عليه .
والدعوى لا تخلو أن تكون في شئ في الذمة أو في شئ بعينه ، فإن كانت
في الذمة فادعى المدعى عليه البراءة من تلك الدعوى وأن له بينة سمعت منه
بينته باتفاق .
وكذلك إن كان اختلاف في عقد وقع أو عين مثل بيع أو غير ذلك .
وأما إن كانت الدعوى في عين وهو الذي يسمى استحقاقا ، فإنهم اختلفوا
هل تسمع بينة المدعى عليه ؟ فقال أبو حنيفة : لا تسمع بينة المدعى عليه
إلا في النكاح وما لا يتكرر ، وقال غيره : لا تسمع في شئ ، وقال مالك
والشافعي : تسمع - أعني في أن تشهد للمدعي بينة المدعى عليه أنه مال له
وملك .
فعمدة من قاللا تسمع أن الشرع قد جعل البينة في حيز المدعي واليمين
في حيز المدعى عليه ، فوجب أن لا ينقلب الامر ، وكان ذلك عندهما عبادة .
وسبب الخلاف : هل تفيد بينة المدعى عليه معنى زائدا على كون الشئ
المدعي فيه موجودا بيده ، أم ليست تفيد ذلك ؟ فمن قال : لا تفيد معنى زائدا
قال : لا معنى لها ، ومن قال تفيد : اعتبرها .
فإذا قلنا باعتبار بينة المدعى عليه فوقع التعارض بين البينتين ولم تثبت إحداهما أمر زائدا مما لا يمكن أن يتكرر في ملك ذي الملك .
فالحكم عند مالك أن يقضي بأعدل البينتين ولا يعتبر الاكثر ، وقال
أبو حنيفة : بينة المدعي أولى على أصله ولا تترجح عنده بالعدالة كما لا
تترجح عند مالك بالعدد ، وقال الاوزاعي
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 387