اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 314
الله تعالى بالوفاء به .
وهذه المسألة مبينة على : هل الكتابة عقد لازم أم لا ؟ وكذلك
اختلفوا في بيع الكتابة ، فقال الشافعي وأبو حنيفة : لا يجوز ذلك ، وأجازها
مالك ورأى الشفعة فيها للمكاتب ، ومن أجاز ذلك شبه بيعها ببيع الدين ، ومن
لم يجز ذلك رآه من باب الغرر ، وكذلك شبه مالك الشفعة فيها بالشفعة في
الدين ، وفي ذلك أثر عن النبي ( ص ) ، أعني في الشفعة في الدين ، ومذهب
مالك في بيع الكتابة أنها إن كانت بذهب أنها تجوز بعرض معجل لا مؤجل لما
يدخل في ذلك من الدين بالدين .
وإن كانت الكتابة بعرض كان شراؤها بذهب أو فضة معجلين أو بعرض مخالف ، وإذا أعتق فولاؤه للمكاتب لا للمشتري .
ومن هذا الباب اختلافهم هل للسيد أن يجبر العبد على الكتابة أم لا ؟
وأما شروط الكتابة فمنها شرعية هي من شروط صحة العقد ، وقد تقدمت عند ذكر
أركان الكتابة ، ومنها شروط بحسب التراضي ، وهذه الشروط منها ما يفسد العقد
، ومنها ما إذا تمسك به أفسدت العقد وإذا تركت صح العقد ، ومنها شروط
جائزة غير لازمة ، ومنها شروط لازمة ، وهذه كلها هي مبسوطة في كتب الفروع ،
وليس كتابنا هذا كتاب فروع ، وإنما هو كتاب أصول .
والشروط التي تفسد العقد بالجملة هي الشروط التي هي ضد شروط الصحة المشروعة في العقد .
والشروط الجائزة هي التي لا تؤدي إلى إخلال بالشروط المصححة للعقد
ولا تلازمها ، فهذه الجملة ليس يختلف الفقهاء فيها ، وإنما يختلفون في
الشروط لاختلافهم فيما هو منها شرط من شروط الصحة أو ليس منها ، وهذا يختلف
بحسب القرب والبعد من إخلالها بشروط الصحة ، ولذلك جعل مالك جنسا ثالثا من
الشروط ، وهي الشروط التي إن تمسك بها المشترط فسد العقد ، وإن لم يتمسك
بها جاز ، وهذا ينبغي أن تفهمه في سائر العقود الشرعية .
فمن مسائلهم المشهورة في هذا الباب إذا اشترط في الكتابة شرطا من
خدمة أو سفر أو نحوه وقوي على أداء نجومه قبل محل أجل الكتابة هل يعتق أم
لا ؟ فقال مالك وجماعة : ذلك الشرط باطل ، ويعتق إذا أدى جميع المال ،
وقالت طائفة : لا يعتق حتى يؤدي جميع المال ، ويأتي بذلك الشرط وهو مروي عن
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه أعتق رقيق الامارة وشرط عليهم أن
يخدموا الخليفة بعد ثلاث سنين .
ولم يختلفوا أن العبد إذا أعتقه سيده على أن يخدمه سنين أنه لا يتم
عتقه إلا بخدمة تلك السنين ، ولذلك القياس قول منقال : إن الشرط لازم ،
فهذه المسائل الواقعة المشهورة في أصول هذا الكتاب .
وههنا مسائل تدكر في هذا الكتاب وهي من كتب أخرى ، وذلك أنها إذا
ذكرت في هذا الكتاب ذكرت على أنها فروع تابعة للاصول فيه ، وإذا ذكرت في
غيره ذكرت على أنها أصول ، ولذلك كان الاولى ذكرها في هذا الكتاب .
فمن ذلك اختلافهم إذا زوج السيد بنته من مكاتبه ثم مات السيد وورثته
البنت ، فقال مالك والشافعي : ينفسخ النكاح لانها ملكت جزءا منه ، وملك
يمين المرأة محرم عليها بإجماع ، وقال أبو حنيفة : يصح النكاح ، لان الذي
ورثت إنما هو مال في ذمة المكاتب لا رقبة المكاتب ، وهذه المسألة هي أحق
بكتاب النكاح .
ومن هذا الباب
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 314