اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 271
فسوى مالك بين التعمير والاسكان .
وكان الحسن وعطاء وقتادة يسوون بين السكنى والتعمير في أنها لا تنصرف إلى المسكن أبدا على قول الجمهور في العمرى .
والحق أن الاسكان والتعمير معنى مفهوم منهما واحد ، وأنه يجب أن يكون الحكم إذا لم يصرح بذكر العقب على ما ذهب إليه أهل الظاهر .
القول في الاحكام ومن مسائلهم المشهورة في هذا الباب جواز الاعتصار
في الهبة ، وهو الرجوع فيها ، فذهب مالك وجمهور علماء المدينة أن للاب أن
يعتصر ما وهبه لابنه ما لم يتزوج الابن أو لم يستحدث دينا أو بالجملة ما لم
يترتب عليه حق للغير ، وأن للام أيضا أن تعتصر ما وهبت إن كان الاب حيا ،
وقد روي عن مالك أنها لا تعتصر ، وقال أحمد وأهل الظاهر : لا يجوز لاحد أن
يعتصر ما وهبه ، وقال أبو حنيفة : يجوز لكل أحد أيعتصر ما وهبه إلا ما وهب
لذي محرم محرمة عليه .
وأجمعوا على أن الهبة التي يراد بها الصدقة أي وجه الله أنه لا يجوز لاحد الرجوع فيها .
وسبب الخلاف : في هذا الباب تعارض الآثار ، فمن لم ير الاعتصار أصلا
احتج بعموم الحديث الثابت ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام : العائد في
هبته كالكلب يعود في قيئه ومن استثنى الابوين احتج بحديث طاوس أنه قال عليه
الصلاة والسلام : لا يحل لواهب أن يرجع في هبته إلا الوالد وقاس الام على
الوالد ، وقال الشافعي : لو اتصل حديث طاوس لقلت به ، وقال غيره : قد اتصل
من طريق حسين المعلم ، وهو ثقة .
وأما من أجاز الاعتصار إلا لذوي الرحم المحرمة ، فاحتج بما رواه
مالك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : من وهب هبة لصلة رحم أو على
جهة صدقة فإنه لا يرجع فيها ، ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد الثواب بها
فهو على هبته يرجع فيها إذا لم ير ض منها قالوا : وأيضا فإن الاصل أن من
وهب شيئا عن غير عوض أنه لا يقضى عليه به كما لو وعد ، إلا ما اتفقوا عليه
من الهبة على وجه الصدقة .
وجمهور العلماء على أن من تصدق على ابنه فمات الابن بعد أن حازها
فإنه يرثها ، وفي مرسلات مالك أن رجلا أنصاريا من الخزرج تصدق على أبويه
بصدقة فهلكا فورث ابنهما المال وهو نخل ، فسأل عن ذلك النبي عليه الصلاة
والسلام فقال : قد أجرت في صدقتك وخذها بميراثك وخرج أبو داود عن عبد الله
بن بريدة عن أبيه عن امرأة أتت رسول الله ( ص ) فقالت : كنت قد تصدقت على
أمي بوليدة ، وإنها ماتت وتركت تلك الوليدة ، فقال ( ص ) : وجب أجرك ورجعت
إليك بالميراث وقال أهل الظاهر : لا يجوزالاعتصار لاحد لعموم قوله عليه
الصلاة والسلام لعمر : لا تشتره - في الفرس الذي تصدق به - فإن العائد في
هبته كالكلب يعود في قيئه والحديث متفق على صحته .
قال القاضي : والرجوع في الهبة ليس من محاسن الاخلاق ، والشارع عليه
الصلاة والسلام إنما بعث ليتمم محاسن الاخلاق ، وهذا القدر كاف في هذا
الباب .
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 271