اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 230
كتاب التفليس
النظر في هذا الكتاب فيما هو الفلس ، وفي أحكام المفلس ، فنقول : إن
الافلاس في الشرع يطلق على معنيين : أحدهما : أن يستغرق الدين مال المدين ،
فلا يكون في ماله وفاء بديونه .
والثاني : أن لا يكون له مال معلوم أصلا ، وفي كلا الفلسين قد اختلف العلماء في أحكامهما .
فأما الحالة الاولى : وهي إذا ظهر عند الحاكم من فلسه ما ذكرنا ،
فاختلف العلماء في ذلك هل للحاكم أن يحجر عليه التصرف في ماله حتى يبيعه
عليه ويقسمه على الغرماء على نسبة ديونهم ، أم ليس له ذلك ؟ بل يحبس حتى
يدفع إليهم جميع ماله على أي نسبة اتفقت أو لمن اتفق منهم ، وهذا الخلاف
بعينه يتصور فيمن كان له مال يفي بدينه ، فأبى أن ينصف غرماءه ، هل يبيع
عليه الحاكم فيقسمه عليهم ، أم يحسبه حتى يعطيهم بيده ما عليه ؟ فالجمهور
يقولون : يبيع الحاكم ماله عليه ، فينصف منه غرماءه أو غريمه إن كان مليا ،
أو يحكم عليه بالافلاس إن لم يف ماله بديونه ويحجر عليه التصرف فيه ، وبه
قال مالك والشافعي ، بالقول الآخر قال أبو حنيفة وجماعة من أهل العراق .
وحجة مالك والشافعي حديث معاذ بن جبل أنه كثر دينه في عهد رسول الله
( ص ) فلم يزد غرماءه على أن جعله لهم من ماله ، وحديث أبي سعيد الخدري أن
رجلا أصيب على عهد رسول الله في ثمر ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله ( ص
) : تصدقوا عليه ، فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء بدينه ، فقال رسول
الله ( ص ) : خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا بذلك وحديث عمر في القضاء على
الرجل المفلس في حبسه وقوله فيه : أما بعد ،فإن الاسيفع أسيفع جهينة رضي من
دينه وأمانته بأن يقال سبق الحاج ، وأنه ادان معرضا فأصبح قدرين عليه ،
فمن كان له عليه دين فليأتنا .
وأيضا من طريق المعنى فإنه إذا كان المريض محجورا عليه لمكان ورثته ،
فأحرى أن يكون المدين محجورا عليه لمكان الغرماء ، وهذا القول هو الاظهر ،
لانه أعدل .
والله أعلم .
وأما حجج الفريق الثاني الذين قالوا بالحبس حتى يعطي ما عليه أو
يموت محبوسا ، فيبيع القاضي حينئذ ماله ويقسمه على الغرماء ، فمنها حديث
جابر بن عبد الله حين استشهد أبوه بأحد وعليه دين ، فلما طالبه
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 230