اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 99
ذو اليدين ؟ فقالوا : نعم ، فقام رسول الله ( ص ) ، فصلى ركعتين أخريين ، ثم سلم .
ظاهره أن النبي ( ص ) تكلم ، والناس معه ، وأنهم بنوا بعد التكلم ، ولم يقطع ذلك التكلم صلاتهم .
فمن أخذ بهذا الظاهر ، ورأى أن هذا شئ يخص الكلام لاصلاح الصلاة ، استثنى هذا من ذلك العموم ، وهو مذهب مالك بن أنس .
ومن ذهب إلى أنه ليس في الحديث دليل على أنهم تكلموا عمدا في الصلاة
، وإنما يظهر منهم أنهم تكلموا ، وهم يظنون أن الصلاة قد قصرت ، وتكلم
النبي عليه الصلاة والسلام ، وهو يظن أن الصلاة قد تمت ، ولم يصح عنده أن
الناس قد تكلموا بعد قول رسول الله ( ص ) : ما قصرت الصلاة ، وما نسيت قال :
إن المفهوم من الحديث ، إنما هو إجازة الكلام لغير العامد .
فإذن السبب في اختلاف مالك ، والشافعي في المستثنى من ذلك العموم هو
اختلافهم في مفهوم هذا الحديث ، مع أن الشافعي اعتمد أيضا في ذلك أصلا
عاما ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان .
وأما أبو حنيفة ، فحمل أحاديث النهي على عمومها ، ورأى أنها ناسخة لحديث ذي اليدين ، وأنه متقدم عليها .
الباب الثامن : في معرفة النية
، وكيفية اشتراطها في الصلاة وأما النية : فاتفق العلماء على كونها
شرطا في صحة الصلاة ، لكون الصلاة هي رأس العبادات التي وردت في الشرع لغير
مصلحة معقولة : أعني من المصالح المحسوسة .
واختلفوا هل من شرط نية المأموم أن توافق نية الامام في تعيين
الصلاة وفي الوجوب حتى لا يجوز أن يصلي المأموم ظهرا بإمام يصلي عصرا ؟ ولا
يجوز أن يصلي الامام ظهرا يكون في حقه نفلا ، وفي حق المأموم فرضا ؟ فذهب
مالك وأبو حنيفة : إلى أنه يجب أن توافق نية المأموم نية الامام .
وذهب الشافعي إلى أنه ليس يجب .
والسبب في اختلافهم : معارضة مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام : إنما
جعل الامام ليؤتم به لما جاء في حديث معاذ من : أنه كان يصلي مع النبي ( ص
) ثم يصلي بقومه .
فمن رأى ذلك خاصا لمعاذ وأن عموم قوله عليه الصلاة والسلام : إنما
جعل الامام ليؤتم به يتناول النية ، اشترط موافقة نية الامام للمأموم .
ومن رأى أن الاباحة لمعاذ في ذلك ، هي إباحة لغيره من سائر المكلفين
- وهو الاصل - قال : لا يخلو الامر في ذلك الحديث الثاني من أحد أمرين :
إما أن يكون ذلك العموم الذي فيه لا يتناول النية لان ظاهره إنما هو في
الافعال ، فلا يكون بهذا الوجه معارضا لحديث معاذ ، وإما أن يكون يتناولها ،
فيكون حديث معاذ قد خصص في ذلك العموم .
وفي النية مسائل ليس لها تعلق بالمنطوق به من الشرع رأينا تركها ،
إذ كان غرضنا على القصد الاول إنما هو الكلام في المسائل التي تتعلق
بالمنطوق به من الشرع .
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 99