اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 77
رسول الله ( ص ) قال : إن الله قد زادكم صلاة ، وهي الوتر
فحافظوا عليها وحديث حارثة بن حذافة قال : خرج علينا رسول الله ( ص ) ،
فقال : إن الله أمركم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم ، وهي الوتر ، وجعلها
لكم فيما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وحديث بريدة الاسلمي أن رسول الله
( ص ) قال : الوتر حق ، فمن لم يؤثر فليس منا فمن رأى أن الزيادة هي نسخ
ولم تقو عنده هذه الاحاديث قوة تبلغ بها أن تكون ناسخة لتلك الاحاديث
الثابتة المشهورة رجح تلك الاحاديث ، وأيضا فإنه ثبت من قوله تعالى في حديث
الاسراء إنه لا يبدل القول لدي وظاهره أنه لا يزاد فيها ولا ينقص منها وإن
كان هو في النقصان أظهر ، والخبر ليس يدخله النسخ .
ومن بلغت عنده قوة هذه الاخبار التي اقتضت الزيادة على الخمس إلى
رتبة توجب العمل ، أوجب المصير إلى هذه الزيادة ، لا سيما إن كان ممن يرى
أن الزيادة لا توجب نسخا ، لكن ليس هذا من رأي أبي حنيفة .
المسألة الثالثة : وأما على من تجب ، فعلى المسلم البالغ ، ولا خلاف في ذلك .
المسألة الرابعة : وأما ما الواجب على من تركها عمدا ، وأمر بها
فأبى أن يصليها ، لا جحودا لفرضها ، فإن قوما قالوا : يقتل ، وقوما قالوا :
يعزر ، ويحبس ، والذين قالوا : يقتل منهم من أوجب قتله كفرا وهو مذهب أحمد
وإسحاق وابن المبارك ، ومنهم من أوجبه حدا وهو مالك والشافعي ، وأبو حنيفة
وأصحابه وأهل الظاهر ممن رأى حبسه وتعزيره حتى يصلي .
والسبب في هذا الاختلاف : اختلاف الاثار .
وذلك أنه ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : لا يحل دم امرئ
مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، أو زنى بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير
نفس .
وروي عنه عليه الصلاة والسلام من حديث بريدة أنه قال : العهد الذي
بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها ، فقد كفر وحديث جابر عن النبي ( ص ) أنه
قال : ليس بين العبد ، وبين الكفر أو قال الشرك إلا ترك الصلاة .
فمن فهم من الكفر هاهنا الكفر الحقيقي جعل هذا الحديث كأنه تفسير
لقوله عليه الصلاة والسلام كفر بعد إيمان ومن فهم هاهنا التغليظ والتوبيخ
أي أن أفعاله أفعال كافر ، وأنه في صورة كافر ، كما قال : لا يزني الزاني
حين يزني ، وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن لم ير قتله كفرا .
وأما من قال : يقتل حدا ، فضعيف ولا مستند له ، إلا قياس شبه ضعيف
إن أمكن ، وهو تشبيه الصلاة بالقتل في كون الصلاة رأس المأمورات ، والقتل
رأس المنهيات .
وعلى الجملة ،فاسم الكفر إنما يطلق بالحقيقة على التكذيب ، وتار ك
الصلاة معلوم أنه ليس بمكذب إلا أن يتركها معتقدا لتركها هكذا ، فنحن إذن
بين أحد أمرين : إما إن أردنا أن نفهم من الحديث الكفر الحقيقي ، فيجب
علينا أن نتأول أنه أراد عليه الصلاة والسلام من ترك الصلاة معتقدا لتركها ،
فقد كفر .
وإما أن يحمل على أن اسم الكفر على غير موضوعه الاول ، وذلك على أحد
معنيين : إما على أن حكمه حكم الكافر : أعني في القتل ، وسائر أحكام
الكفار ، وإن
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 77